كلام لافت جاء على لسان وزير التخطيط الدكتور أشرف العربى قال فيه: «لا أحد ينكر أن الناس تعبانة بالفعل، إلا أن الحكومة لا تستطيع زيادة الأجور دون زيادة فى الإنتاج». نظرياً كلام الوزير سليم، فليس فى وسع عاقل أن يطالب بزيادة أجور العاملين فى أى مؤسسة دون زيادة الإنتاج، وإلا من أين سيتم تمويل الزيادة؟ لكن من الناحية العملية يبدو الكلام مفرطاً فى الخداع وقلب الحقائق. وزير التخطيط يعلم مستوى الانخفاض الذى أصاب الجنيه المصرى بعد قرار «التعويم» الذى اتخذته الحكومة التى ينتمى إليها، وتجاوزت نسبته الـ80%، ويفهم أن القيمة الشرائية لـ100 جنيه تراجعت إلى 20 جنيهاً، وأن مرتبات العاملين بالدولة انخفضت بالنسبة نفسها، وبالتالى فأى زيادة فى المرتبات -إن حدثت- لا تعدو محاولة لتصحيح الأوضاع التى تسببت فيها الحكومة، بل قل مجرد ترميمها، فى ظل حالة السعار التى أصابت الأسعار وارتفاع مستويات التضخم إلى أرقام فلكية تجاوزت نسبتها الـ23%، طبقاً لتقارير رسمية.
الوزير -شأنه شأن الحكومة- يغالط المواطن فى الحساب، والعجيب أن كلامه هذا جاء فى سياق خبر نشرته إحدى الصحف أكدت فيه أن الحكومة تنوى رفع الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه إلى 1500، وهو الخبر الذى سارعت وزارة التخطيط إلى نفيه، وبعد النفى أسمعنا الوزير المسئول هذا الكلام المنمق الذى يربط زيادة المرتبات بزيادة الإنتاج. وبعيداً عما ينطوى عليه هذا الكلام من مغالطة، فإنه يعبر عن حكومة سعيدة بانخفاض إنتاجية العاملين بالدولة، وهو أمر لا يستطيع أحد أن ينكره، لأنه يمنحها الحجة والذريعة لتجميد الأجور، ويوفر لها مناخاً جيداً لتطبيق سياساتها الجديدة فى الإحالة إلى المعاش للتخلص من ملايين العاملين طبقاً لبنود قانون الخدمة المدنية. لو كان انخفاض الإنتاجية وتراجع الإنتاج يؤرق الحكومة لاتخذت من الإجراءات ما يمكّنها من تحفيز وتشجيع المواطن على النشاط والإنتاج، ولا خلاف أن زيادة المرتبات تُعد من أبرز عوامل التحفيز على ذلك. كلام الوزير يعنى أن الحكومة ليست مشغولة بحدوتة الإنتاج قدر انشغالها بتصحيح الأوضاع المالية فى الموازنة العامة تصحيحاً ورقياً، كما ذكرت لك غير مرة. وبمناسبة حديث الوزير المسئول عن الربط بين الأجور والإنتاج، أريد أن أسأله عن رأيه فى «الأداء الإنتاجى» للحكومة الحالية، وليقل لى ماذا أنتجت الحكومة على مستوى السياحة والاستثمار والصناعة والزراعة والتجارة خلال الأشهر الماضية؟ ليته لا يتحجج هذه المرة بالكلام المحفوظ عن الإرهاب!
الحكومة الحالية تعرف الزيادة فى كل شىء، كل قراراتها قرارات رفع، إلا فيما يتعلق بالمرتبات، فهى لا تكتفى بتجميدها، بل تخفضها، بسبب ما تتخذه من إجراءات تؤدى إلى تراجع القيمة الشرائية للجنيهات التى يحصل عليها المواطن. فى زمن الحجج المخادعة يكون من الطبيعى أن يخرج الوزير ليراوغ المواطن بكلام معقول على مستوى الشكل، مخادع على مستوى المضمون عن الربط بين الأجور وزيادة الإنتاج، وأن يخرج المواطن بكلام معقول شكلاً، فارغ على مستوى المضمون، يبرر فيه فساده فى مجال عمله، بقلة المرتبات! ليحتكم الطرفان إلى قاعدة «أى كلام فاضى معقول»..!