نقابات «مهنية».. غلبتها «السياسة»
وقفة سابقة لعدد من الصحفيين أمام النقابة «صورة أرشيفية»
تاريخ طويل عاشته النقابات المهنية كمظلة حقيقية لأبنائها تحمى حقوقهم وتطور من أدائهم، إلا أن حالة من الضعف سيطرت عليها بسبب الصراعات الداخلية بين تياراتها المختلفة، واقتحامها معترك السياسة، ونتيجة للصراعات الانتخابية فى العمل النقابى، لم تعد النقابات تعنى بالصالح العام للمهنة أو أعضائها وتطوير أدائهم. فبالتدقيق فى العمل النقابى، ربما لا تجد نقابة خالية من صراع تيار ضد آخر، ولا من دعوات لسحب الثقة من مجالس إدارتها، ما أنهك النقابات وأدخلها غرف الإنعاش، بعد أن حادت عن مهامها الأساسية.
ففى نقابة المحامين، لم يتوقف الصراع الداخلى بين تياراتها، سواء التى فازت بمجلس النقابة، أو التى خرجت من المنافسة، فى الانتخابات التى أجريت نوفمبر 2015، وخلفت صراعاً محتدماً بين سامح عاشور، النقيب الحالى، وكل من منتصر الزيات، وإبراهيم سعودى، المرشحين السابقين على المنصب، ما دفعهما للطعن على نتيجة الانتخابات، ثم الحشد لجمعية عمومية طارئة للمحامين لسحب الثقة من «عاشور»، اعتراضاً على قرار تقسيم النقابات الفرعية، وموقف المجلس من الأزمات التى تطرأ لتُخرج النقابة عن سياق عملها لصالح المحامين.
انشغل مجلس المحامين برئاسة «عاشور» عن إنشاء معهد المحاماة، وتفعيل اللجان النقابية لأداء الدور المنوط بها، فى ظل دعوات عقد الجمعيات العمومية الطارئة واحدة تلو الأخرى، كانت إحداها لطرح الثقة عن منصب النقيب ومجلس النقابة، وأخرى لزيادة المعاشات.
«المحامين» استنزفها صراع «عاشور والزيات».. و«المعلمين» تحت الحراسة.. و«الأطباء والصحفيين» تصارعان الدولة
وتصاعد الصراع بعقد منتصر الزيات، مؤتمراً صحفياً، لعرض تقرير «محامون بلا نقابة» الذى يرصد حالات انتهاك حقوق المحامين فى عام 2016، وتطرق خلاله إلى مشاكل النقابة، وعلق على أزمة تنقية جداول «المحامين» من غير المشتغلين، بقوله: «هناك محامون أحيلوا إلى الجنايات وعاشور رفض الرد على هواتفهم»، موضحاً أنه ليس ضد قرار تنقية الجداول وإنما معترض على ما حدث من الاعتداءات على محاميات، وإغلاق «عاشور» النقابة فى وجوههن وتأجير البعض للاعتداء عليهن، حسب «الزيات».
ودعا «منتصر» لتكوين مجموعة ضغط انتخابى لمراقبة الأداء السياسى للمرشحين فى كافة الانتخابات، من أجل تحقيق مصالح المواطنين، لافتاً إلى أن أهداف المواطن المسلم لا بد أن تكون حاضرة فى البرامج الانتخابية بعيداً عن الجماعات والائتلافات السياسية، مضيفاً: «ذلك التكتل سيكون للتيار الإسلامى صوت مسموع، ويمكن محاسبة من لا يحقق وعوده، فى ظل اتهامات العمالة، والإرهاب، فنحن نريد المحافظة على الهوية الدستورية التى نصت على أن مصر دولة إسلامية».
انتهى «الزيات» إلى أن مهنة المحاماة هى رسالة حق، ووفقاً لقانون المحاماة يجب على التنظيم النقابى الدفاع عن المحامين وتقديم كافة الخدمات والمساعدات لهم وهو ما لا يحدث حالياً، متابعاً: «فى ظل استمرار عاشور نقيباً، لم تعد نقابة المحامين قلعة للحريات تنصر أبناءها، ولم تنصر المظلومين بسبب آرائهم أو أفكارهم أو معتقداتهم».
فى المقابل، قال عبدالجواد أحمد، عضو مجلس النقابة، لـ«الوطن»، إن تصريحات «الزيات» لم تتضمن جديداً، وإن الهدف منها تعطيل مسيرة العمل النقابى، مضيفاً: «النقابة تغلق أبوابها فى مواعيدها الرسمية، وادعاءاته مستهلكة، ورغم فشله فى الانتخابات وجولة الطعن عليها وسحب الثقة من المجلس، لم يستطع خلال 5 جمعيات عمومية مختلفة أن ينال ثقة المحامين، وأن يصل إلى ما يطمح إليه».
لم تسلم نقابة المهندسين كذلك من الصراعات، فقد شهدت منافسة تيارات متعددة على انتخابات مجلسها الأخيرة التى فاز فيها تيار الاستقلال، على تيار «تصحيح المسار»، الذى دائماً ما ينتقد مواقف المجلس الحالى وقراراته، وما إن انتهت النقابة من ذلك الصراع، حتى دخلت فى دوامة أخرى بخلافها مع حسام المغازى وزير الرى السابق، حيث عقدت النقابة جمعية العمومية واتخذت قراراً خلالها بإحالة الأخير إلى التحقيق ولجنة تأديبية، لتمثل أمام المحاكم نتيجة طعن المغازى على الجمعية العمومية، وطلبات سحب الثقة من مجلس النقابة الحالى.
اضطر المجلس فى مواجهة تلك التحديات والأزمات إلى زيادة المعاشات كورقة ضغط فى انتخابات التجديد النصفى للنقابة ليفوز تيار الاستقلال الذى يقوده النقيب الحالى، ما دفع تيار تصحيح المسار لمهاجمة تلك الخطوة، مؤكدين أنها جاءت دون دراسة اكتوارية وميزانية النقابة لن تتحمل زيادة المعاشات وربما تؤدى إلى إفلاس النقابة.
تخضع نقابة المعلمين للحراسة القضائية، الأمر الذى جعل ما تسمى «نقابة المعلمين المستقلة» ورابط للمعلمين، يعتبرونها مجمدة فى ظل مجلس النقابة الحالى المعين من الدولة، قال حسين إبراهيم، الأمين العام للنقابة المستقلة، إن مجلس النقابة الحالى لا يمثل المعلمين، ولا يهتم بقضاياهم، والنقابة شبه مجمدة ليست لديها صلاحيات لتقدم أى جديد يخدم المعلمين ولم يكن لها تحرك يذكر فى قضايا المعلمين المغتربين المعينين فى مسابقة الـ30 ألف معلم، كما أنها تصرف معاشات المعلمين بالكاد، وأخذت من صندوق الزمالة 2% لتعويض العجز فى صندوق المعاشات.
«المهندسين»: تعانى صراعاً متعدد التيارات.. و«الصيادلة»: التيار المهنى يصارع بقايا «الإخوان»
وتشهد نقابة الصيادلة صراعاً تاريخياً منذ عام 1992، بعد أن تسربت إليها السياسة فى ظل محاولات تنظيم الإخوان السيطرة على النقابات المهنية.
وقال مسئول بالنقابة، إن «الصيادلة» كرمت الرئيس المعزول محمد مرسى، وقت سيطرة تنظيم الإخوان على مقاليد الأمور فى النقابة، فبعد ثورة 25 يناير اكتسح تيار الإخوان مجلس النقابة، بفوز قائمة «ائتلاف صيادلة مصر» فى الانتخابات، التى ضمت الدكتور عبدالغفار صالحين رئيس لجنة الصحة بمجلس الشورى سابقاً، وأحمد عقيل، أحد المتحدثين الرسميين باسم حزب الحرية والعدالة، والدكتور أحمد البيلى، رئيس المكتب الإدارى للجماعة، الذى عينه «مرسى» محافظاً للدقهلية. إلا أنه فى انتخابات التجديد النصفى للصيادلة فى مارس 2013 شهدت فوزاً كاسحاً لـ«قائمة الصيادلة المهنيين» ممثلة عن التيار المدنى، على مرشحى الإخوان، وقدم هذا المجلس بلاغات للنائب العام فى مايو 2013 ضد مخالفات مجالس سابقة كانت تنتمى أغلبها إلى الإخوان، لتكون «الصيادلة» بذلك أول نقابة مهنية تخرج من عباءة الإخوان، وفى انتخابات التجديد النصفى فى عام 2015 طردت الإخوان نهائياً من مجلسها.
وفى «الأطباء» بدأ الحراك الانتخابى منتصف 2015، بعد فوز الدكتور حسين خيرى، مرشح قائمة الاستقلال، بمنصب نقيب الأطباء فى التجديد النصفى لمجلس النقابة، بعد الإطاحة بمجلس تنظيم الإخوان، وكانت تلك القائمة تضم أطباء من مختلف الأيديولوجيات السياسية واليسارية، لكن ظهرت جبهة مستقلة لإصلاح النقابة، تضم كل التيارات لمنع سيطرة أى فصيل على النقابة وإبقاء العمل النقابى تطوعياً دون مقابل مادى، وهى «جبهة تصحيح المسار» ويمثل معظمها بقايا أعضاء الحزب الوطنى.
وقالت الجبهة إن «النقابة انتهجت سياسة الصدام مع كل المؤسسات فى غير حقوق الأطباء رافضة أى ممارسات أيديولوجية مقنعة أو استخدام النقابة كمنبر للمعارضة السياسية المغلفة على حساب حقوق الأطباء».
أما «الصحفيين» فقد بدأ عام 2016 هادئاً عليهم، فيما كانت أبرز المشكلات التى تواجه نقابتهم هى حبس بعض الصحفيين، وتدنى الأجور، وأزمات الفصل التعسفى، وهى مشكلات لم ترق إلى أزمات كبيرة تثير الرأى العام، إلى أن فتحت نقابة الصحفيين أبوابها أمام «جمعة الأرض هى العرض»، فى 15 أبريل الماضى، اعتراضاً على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، وشهد محيط النقابة مئات المتظاهرين، بشكل فاجأ المسئولين، انتهت بدخول قوات الأمن إلى النقابة لإلقاء القبض على عمرو بدر رئيس تحرير بوابة يناير، والمحرر بالبوابة محمود السقا، لصدور قرار بضبطهما من النيابة على خلفية تلك التظاهرات، وعلى خلفية تلك الأزمة، انقسم الصحفيون بين مؤيد للمجلس الحالى وقراراته التصعيدية ضد وزارة الداخلية، ومعارض للمجلس يرى أنه أقحم النقابة فى العمل السياسى، وشكلوا مجموعة «الأسرة الصحفية» واجتمعوا فى مؤسسة الأهرام، وطالبوا بإقالة مجلس النقابة الحالى على خلفية الأزمة.