بينما تمر صناعة الصحافة المطبوعة حول العالم بأسوأ فترات الركود، وتتراجع معدلات توزيع أكثر الصحف الورقية انتشاراً، فى اليابان والولايات المتحدة، كانت صحيفة «داينيك بهاسكار» اليومية الهندية تنتعش، ويتزايد توزيعها على نطاق واسع. الصحيفة التى انخفضت مبيعاتها من نحو 2 مليون نسخة يومياً فى العام 2008، إلى قرابة 1 مليون نسخة فى 2011، تألقت من جديد، وقفزت مبيعاتها إلى قرابة 3.6 مليون نسخة يومياً فى العام 2016.
لقد وثبت الجريدة إلى المركز رقم واحد فى الهند، كما احتلت المرتبة الرابعة عالمياً، ضمن أكثر الصحف توزيعاً خلال 2015. كان هذا سيراً عكس «المصير» الذى بدت صحف العالم المطبوعة تتجه إليه.
ما السر فى ذلك؟
اهتمت الجريدة بالصحافة المحلية، حيث تصدر فى 14 ولاية هندية، وتقدم لقرائها أكثر من 40 طبعة مختلفة، تلبى احتياجات واهتمامات القراء بثقافاتهم المتباينة نسبياً. تطبع النسخ بأربع لغات شائعة فى الهند، هى: الهندية، والكجراتية، والمهاراتية، إضافة إلى الإنجليزية.
خالفت الإدارة القاعدة الشهيرة فى عالم الصحافة والإعلام، خاصة فى الغرب، والتى تقول إن «الأخبار الجيدة ليست بأخبار». بدأت فى تقديم محتوى يثير التفاؤل لدى القراء، وعملت على إشراك قرائها فى صناعة محتواها التحريرى، فشعروا بأنهم جزء منها، وأنها تدرك احتياجاتهم، ولا تغرد منفردة بعيداً عنهم.
يقول فيناى ماهيشوارى، المسئول عن المبيعات وتطوير التسويق بالصحيفة، فى مقال له على موقع inma.org: «إننا نستيقظ كل صباح على أنباء القتل البشع، والاغتصاب، والاختطاف، والفساد المنشورة فى الصحف، ثم نتساءل، ما هذه البداية الشنيعة لليوم؟ لا بد لهذا الأمر أن ينتهى». وأشار إلى أن الهند تأتى فى ترتيب متأخر للغاية فى مؤشر السعادة العالمى، وهو ما يجعل مطاردة السعادة هدفاً لدى الهنود.
ويقول براديب دويفيدى، المدير التنفيذى للمبيعات بالشركة الناشرة للصحيفة، فى حديثه لموقع afaqs.com تعليقاً على تقدم ترتيب الصحيفة محلياً وعالمياً: «إن ذلك يعد دليلاً على نجاح نموذج الأعمال، والاستراتيجية التى تتبعها المؤسسة، وتأكيداً لنجاح إدارتها فى جعل القارئ هو محور وأساس وجودها».
وبينما تكتب سطور مقالنا هذا، كانت القصة رقم 1 فى قائمة «الأكثر قراءة» بالموقع الإلكترونى للصحيفة، حكاية عن عامل بسيط استطاع أن يفوز بميدالية ذهبية فى المسابقة الوطنية بالهند، رغم ظروفه الاقتصادية القاسية. لقد أثبتت صحيفة «داينيك بهاسكار» أن الخبر الإيجابى، يمكن أن يكون خبراً، وله قراؤه، ويمكنه أن يبيع ما يقارب 4 ملايين نسخة ورقية فى اليوم الواحد.
ما زالت الصحافة المطبوعة هى المصدر الأكبر للدخل لمعظم المؤسسات الصحفية فى مصر والعالم، سوء كان الدخل من الإعلانات أو عوائد التوزيع، وما زالت المواقع الإخبارية الإلكترونية لا تجلب سوى 25% على أفضل تقدير من إيرادات الإعلانات.
وحتى بالنسبة للمؤسسات الصحفية التى نشأت بفكر رقمى بحت، التحدى صعب للغاية، معظمها يكافح من أجل الحصول على عوائد تغطى تكاليف تشغيلها، وتسمح لها بالاستمرار والتطور، لأنها تواجه منافسة شرسة مع مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت.
النظر للمواقع الإلكترونية على أنها صحافة المستقبل، لم يكن خطأ، ولكنه بات يصطدم بحقيقة أن مواقع التواصل الاجتماعى تلتهم النصيب الأكبر من مخصصات الإعلانات على الإنترنت. تراجعت على سبيل المثال عوائد المواقع الإخبارية فى أمريكا بنحو 8%، فيما قفزت حصيلة مواقع التواصل الاجتماعى من الإعلانات -خاصة جوجل، وفيس بوك- لتلتهم معظم الكعكة خلال العامين الماضيين.
يتوقع الخبراء أن تستمر وتتوسع سيطرة مواقع التواصل الاجتماعى على سوق الإعلانات بالإنترنت خلال العام 2017، وما بعده. تلك الشبكات التى تحقق عشرات مليارات الدولارات كل عام، لديها القدرة المالية والتقنية لتطوير برمجياتها وأدواتها بسرعة تعجز عنها كبرى المؤسسات الصحفية فى العالم، كما أنها تكتسب ولاء الجمهور بخدماتها، وجعل المستخدم محور فكرها، فيما تفقد المواقع الإخبارية ولاء قرائها، ليتحولوا من قراء دائمين، إلى زوار عابرين مقبلين فى معظمهم من السوشيال ميديا، ومحركات البحث.
الساحة على أرض الواقع تزداد رحابة للصحف الورقية، فى الوقت الذى يهرول فيه الجميع إلى الإنترنت. تجربة صحيفة «داينيك بهاسكار» تقول إن موعد غروب شمس الصحافة الورقية لم يحن بعد. الأمر بحاجة للتطوير والابتكار، تحريرياً، وتسويقياً، وتقنياً. وأعتقد أن الإنترنت نفسه هو من سينقذ الصحافة الورقية، ويساعدها على المنافسة والانتقال بسرعة إلى القراء، وربما يقلب ذلك المعادلة المطروحة حالياً للنقاش، وينقذ صناعة الصحافة التى أصبح بقاؤها مهدداً، بنسختيها المطبوعة والرقمية، نتيجة مواجهتها الشرسة مع عمالقة «السوشيال ميديا» الأثرياء.