السعودية ما زال لديها أمل فى «تيران وصنافير»، أمل تغذيه تصريحات لشخصيات رسمية ومسئولة أبت القبول بحكم المحكمة الإدارية العليا، وما زالت تصر على سعودتهما بأى طريقة كانت. وتقديرى أن هذا الملف أغلق، وأصبحت مسألة نقل السيادة على الجزيرتين إلى «المملكة» ضرباً من ضروب المستحيل، لا لشىء إلا لأن الاتجاه الذى أصبح سائداً لدى كثير من المصريين يؤكد التمسك بمصرية الجزيرتين، تُدلل على ذلك الفرحة التى سادت الشعب المصرى بعد الحكم بمصرية الجزيرتين، وظهرت تجلياتها أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعى، وكذا فى المداخلات الجماهيرية على برامج التوك شو. هذا الاتجاه يجعل «سعودة الجزيرتين»، كما تريد «المملكة»، وكما يصر بعض المسئولين والإعلاميين المصريين المتسعودين، مجرد خيالات تتسكع فى أدمغة بشر موهومين!.
المتوقع من المملكة العربية السعودية أن تستوعب الأمر، وترضى بقرار أصبح الشارع المصرى يتبنّاه، وتتفهّم حساسية الموضوع لدى المصريين، ولا يغرنها ما تسمعه من الأصوات المتسعودة، لأن هذه الأصوات أعجز مما تتصور أمام شارع اتخذ قراراً وانتهى الأمر. أىّ حديث عن اللجوء إلى التحكيم لن يُغيّر من الواقع شيئاً، وأعظ «المملكة» بألا تتكل على الحكومة أو إعلامييها فى مصر، لأنهم لن يغنوا عنها شيئاً، ولو نفعوها فى الأول «يبقى ينفعوها فى الآخر». لقد أكد المحامى خالد على الذى قاد كتيبة الدفاع عن مصرية الجزيرتين، أنهم سيقومون بجمع توكيلات من الشعب أشبه بالتوقيعات التى أوصلت الوفد المصرى بزعامة سعد زغلول إلى مؤتمر الصلح بباريس عام 1919، لاختيار الوفد المصرى الذى يُمثل مصر فى التحكيم. وأؤكد من الآن أن هيئة الدفاع ستتمكن من جمع ملايين التوقيعات، وبالتالى فالاتكال السعودى على الحكومة وبعض الأبواق الإعلامية لن يكون فى محله، أو قُل إنه سيكون معدوم القيمة.
مؤسسات الدولة المصرية مطالبة هى الأخرى باتخاذ موقف موضوعى، فإما أن تسحب الحكومة الاتفاقية، أو يردها إليها مجلس النواب، احتراماً للحكم القضائى، واحتراماً لإرادة شعب، وكفى ما حدث، لأن الاستمرار ليس له سوى معنى واحد، هو العناد، والعند كما يقولون يورث الكفر. مناقشة الاتفاقية داخل مجلس النواب، بغض النظر عن النتيجة، تعنى أن السلطة الحالية تشعر فى نفسها بأنها أكبر من الشعب، وأن مؤسسات الدولة تحس أنها أكبر من القضاء، وقد حذّرت ذات مرة من أن موضوع تيران وصنافير أحدث شرخاً فى البناء السياسى المصرى، أجد أن الحكم الأخير للقضاء الإدارى محاولة جادة لترميمه، وأجد أن التنكّر لهذا الحكم يعنى رغبة جامحة من جانب السلطة فى توسيع هذا الشرخ. الموضوع هذه المرة مختلف، وبمقدور السلطة أن تُراجع ما يصلها من تقارير عن اتجاهات الشارع نحو هذه القضية لتتأكد بنفسها أن الأمر هذه المرة غير. على الطرفين الرسميين فى مصر و«المملكة» أن يغلقا هذا الملف «انتهوا خيراً لكم»، لأن أحداً لن يستطيع أن يجبر المصريين على شىء لا يرضونه. لقد تحمل هذا الشعب كثيراً على مستوى الملفات المعيشية، وصبر صبراً لم يصبره شعب فى هذا السياق، لكن الصبر على تكاليف الحياة أمر، والصبر على مسألة الأرض أمر آخر.. انتباه!.