لماذا لا نفكِّر على هذا النحو: «الهيئة العامة للاستعلامات» تصبح «وكالة الإعلام الخارجى».. و«وكالة أنباء الشرق الأوسط» تصبح «وكالة الأنباء المصرية».. و«الأهرام ويكلى» تصبح «الأهرام تايمز».
(1)
إن الاسم يدل على المسمى، والاسم فى الإبداع ليس مجرّد تعريف أو وصْف.. بل هو إبداعٌ آخر.. وإنجازٌ موازٍ. وكان الأستاذ إحسان عبدالقدوس يستغرق أحياناً فى اختيار عنوان رواياته القدر الذى يستغرقه فى نصّ الرواية ذاتها. وكذلك المبدعون على وجه العموم.. يعطون وزناً كبيراً للاسم والعنوان.. ومع الحقبة الرأسمالية ثم حقبة العولمة.. واعتماد الاقتصاد العالمى على مفهوم التسويق والتصدير.. أصبح اختيار الاسم التجارى والعلامة التجارية.. وطريقة تصميمها وكتابتها.. فناً بذاته.
والأوْلى بالطبع أن يكون ذلك حاصلاً فى أسماء المؤسسات والهيئات الإبداعية.. ذلك أن الاسم جزء من المسمى.. والعنوان جزء من المحتوى.
(2)
إن الاسم ليس مجرد إشارة.. ولكنه بذاته يحدد هوية المكان ومساحة الدور.. ولا يمكن لأحدٍ أن يتوقع أن اسماً بيروقراطياً ركيكاً وخالياً من أى روح مثل «الهيئة العامة للاستعلامات» يمكنه التعبير عن الغاية أو الرسالة.
إن ذلك ليس بالطبع هو مشكلة الهيئة، ذلك أن مشاكلها بلا حصْر.. ولكن «من العنوان» نفسه يمكن أن تعرف ما الذى يوجد ويجرى. إن الاسم البيروقراطى الخالى من أى إبداع لا يمكن أن يكون طريقاً لشىء آخر.. فأصبحت الهيئة اسماً على مسمّى.
وإذ تحتاج الدولة المصرية إلى إعلام خارجى قوى.. فإن إعادة هيكلة الهيئة وإعادة تأسيس كيان جديد على أنقاض الكيان الحالى.. باسم «وكالة الإعلام الخارجى» هو البداية.. لوضع الاستراتيجية والخطط التنفيذية.
(3)
إن اسم «وكالة أنباء الشرق الأوسط» هو الآخر.. لم تعد له دلالة.. فهو لا يدل على أنها وكالة مصرية.. ومفهوم الشرق الأوسط يتطرق فى أذهان الغرب إلى الدول المحيطة بالعالم العربى.. وفى أفضل الأحوال فإن المشرق العربى هو جزء من الشرق الأوسط.. الذى يحمل مكوناً أعجمياً أكثر مما يحمل من معالم العرب.
وإذا كانت الوكالة فى الماضى قد شقّت طريقها.. فإن الطريق بات أصعب كثيراً فى زمن الإنترنت ومجتمع «الفيس بوك».. وجبال الأخبار التى تتمدد على شاشة الهاتف. ولم يكن من السهل معرفة أن «وكالة أنباء الشرق الأوسط» هى الوكالة الرسمية المصرية.. ذلك أن «طيران الشرق الأوسط» هو الطيران اللبنانى.. ومعظم مؤسسات الشرق الأوسط ما بين إيرانية وتركية وباكستانية وإسرائيلية. والأنسب على ذلك أن يتحول اسم الوكالة إلى «وكالة الأنباء المصرية».
وقد أحسنت تركيا حين سمّت وكالتها للأنباء «وكالة أنباء الأناضول».. وتسمى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكالاتها باسم الدولة.. وإذا كانت بعض الوكالات العالمية الكبرى لا تحمل اسم بلادها.. فذلك أنها الأقدم والأشهر فى العالم.. ولم تعد تحتاج إلى تعريف أو تقديم.
إن ذلك بالطبع ليس المشكلة الوحيدة فى الوكالة.. ذلك أنها تحتاج إلى رفع الكفاءة.. كما أنها تحتاج إلى دعم الدولة بأن تخصَّها بأخبارها الكبرى.. التى تصنع لها مكانتها بين الوكالات وتعزز «النقل عنها» فى وسائل الإعلام الدولية.
(4)
إن اسم «الأهرام» هو أكبر «براند» صحفى مصرى على مستوى العالم.. ولكن «الأهرام» باتتْ محلية أكثر مما ينبغى.. وبعد أن كانت تحتل المركز السابع على مستوى العالم.. أصبحت فى مركز آخر.. بعد ضغوط المنافسة والاقتصاد والتحديات التى باتت تواجه المؤسسة الأولى فى العالم العربى.
إن الخدمة الإنجليزية والفرنسية لـ«الأهرام».. يجب ألا يتم النظر لها باعتبارها مجرد إصدارات صحفية للمؤسسة.. بل هى سفارات عالمية أو وزارات خارجية ووكالات إعلام خارجى داعمة.
من المناسب أن تتحول صحيفة «الأهرام ويكلى» إلى صحيفة يومية حتى لو طبعت ألف نسخة يومياً، وأن يتحول اسمها على ذلك إلى «الأهرام تايمز».. وأن يجرى دعم موقع «الأهرام تايمز».. مادياً ورسمياً.. ليكون أداة أساسية فى إيصال رسالة مصر إلى العالم.
إن التوسع الحالى فى الإعلام المصرى كله لا يزال فى الإطار المحلّى.. مخاطبة المصريين للمصريين عن المصريين. والأنسب أن يكون هناك جزء أساسى يخاطب العالم عن مصر.
إذا بدأنا بالاسم.. ثم انطلقنا فى المسمى.. يمكننا فعل شىء.. ولتكن هذه هى البداية: وكالة الإعلام الخارجى + وكالة الأنباء المصرية + صحيفة الأهرام تايمز.
هذه مقالةٌ فى الشكل.. حتى يتسنّى الحديث عن المضمون.
المؤسسات تظهر من عنوانها.. وأن تأتى متأخراً خير من ألا تأتى أبداً.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر