الملمح الأبرز فى الأحاديث الدائرة على ألسنة الكثيرين -مع احتفالنا بمرور ست سنوات على ثورة يناير- يتحدد فى فكرة «نحن نحتفل بثورة فاشلة». أمر عجيب بالفعل، والأعجب منه أن تجد هذا الكلام يتردد على ألسنة أفراد شاركوا فى «يناير» وآمنوا بها. يعزو الجميع حديثهم عن فشل الثورة إلى عجزها عن تحقيق أهدافها فى «العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية». وهو حديث يستند إلى مغالطة أساسية تتمثل فى أن هذا الشعار مثّل الحلم الكبير للثورة، أو النتيجة الكبرى التى حلم بها الملايين التى تدفقت إلى شوارع مصر أيام الثورة، هذه النتيجة لا بد أن يكون لها مقدمات، مقدمات تتراكم على الأرض حتى تُفضى إلى تحقيق النتيجة فى النهاية، وهو أمر يستغرق سنين طويلة، لأن ثمة مبدأ يحكم الثورات يتمثل فى «التغيير البطىء لكن المستمر». وهذا المبدأ ينطبق بامتياز على ثورة يناير.
منذ ست سنوات و«يناير» تغير على الأرض، ودعنى أسرد بعض المشاهدات الدالة على ذلك، المشاهدة الأولى تتمثل فى «الحرب على الفساد»، وهى مقدمة طبيعية لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولعلك تلاحظ أن وتيرة الإعلان عن الكشف عن قضايا الفساد تتصاعد بصورة محسوسة كلما اقتربت ذكرى الثورة، حتى كدنا نقول «ليت العام كله يناير»، لأننا نريد أن تكون الحرب على الفساد دائمة ومتواصلة. المشاهدة الثانية تتمثل فى تعديل قانون التظاهر، وهو القانون الذى صاحبته زفة من رافضى «يناير» عند صدوره، لكن صمد ضده شباب يدفع ثمن دفاعه عن مبادئ الثورة من حريته، وتيارات ينايرية أصرت على كشف عدم تناغم هذا القانون مع نصوص الدستور، وواصلت سعيها حتى حكمت المحكمة الدستورية العليا بتعديل المادة العاشرة من قانون التظاهر، لتجد الحكومة نفسها مضطرة للامتثال، وبعيداً عن هذه الجهود، لم يستطع القانون أن يوقف التظاهر فى الشارع، الكل يذكر مظاهرة موظفى الضرائب ضد قانون الخدمة المدنية والتى أدت إلى دفع مجلس النواب إلى رفضه فى نسخته الأولى، ويذكر مظاهرات «الأرض» التى اندلعت دفاعاً عن مصرية جزيرتَى «تيران وصنافير». ماذا يعنى ذلك؟ إنه يعنى ببساطة أن إرادة الشعب تجبُّ أى قانون قمعى، وهى مقدمة طبيعية للهدف الأسمى المتمثل فى الحرية.
وما دمنا تحدثنا عن الدستور، فدعنى أقول لك إن دستور 2014 مثل درة التاج فى ثمار ثورة يناير بموجتها الأولى (2011) وموجتها الثانية فى 30 يونيو 2013. كلام كثير ردده من يصمون يناير بالمؤامرة عن تعديل الدستور، لكن هل سمعت لذلك أى صدى، هل استجاب لهم أحد؟ أنت تعلم أن دستور 1971 الذى أسقطته ثورة يناير تم تعديله مراراً وتكراراً تبعاً لهوى «مبارك» ونظامه، لكن دستور 2014 لم يزل صامداً ومستعصياً على من يريد الاقتراب منه. بإمكانك لو قرأت هذا الدستور بأناة وتمهل أن تدرك أن ثورة يناير بما طرحته من رؤى ومفاهيم وأحلام انعكست على أغلب نصوصه ومواده. وعلينا أيضاً ألا نقفز على مشاهدة مهمة للغاية ذكرتها فى الفقرة السابقة، وتتعلق بملف «تيران وصنافير»، فالتيار الينايرى هو الذى قاد المعركة القضائية لحسم سيادة مصر على الجزيرتين، وتمكّن من نيل تعاطف شعبى من جانب أغلب المصريين الذين يؤمنون أن «الأرض عرض». ثق أن يناير لم تزل تعمل على أرض الواقع طيلة السنين الست الماضية، وسوف تواصل التغيير حتى تحقق حلمها الأكبر فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.