■ بات الحديث عن المنطق فى عالمنا نوعاً من العبث فى ظل أحداث ومواقف لا يمكن تفسيرها فى إطار الوعى. وربما لولا بعض إصرار من قلة تنتشر هنا أو هناك لخسرت عقلك أو آثرت الابتعاد عن سخريات المواقف الفاقدة للاتزان.
■ توقف معى أمام تصريحات الحكومة الإسرائيلية المعلنة عن موافقتها لاستيعاب مائة طفل من أيتام سوريا الذين فقدوا عائلاتهم فى تلك الحرب المجنونة منذ ست سنوات دون أن تعلم هوية حقيقية للمتحاربين، فيما عدا الجيش السورى. نعم يا سادة فبعد أن دشنت إسرائيل حملة لجمع تبرعات بلغت نحو 100 ألف دولار منذ نحو الشهرين خصصتها لضحايا حلب من المدنيين! تعلن اليوم ضم 100 طفل من أيتام سوريا لمدارسها الداخلية مع منح عائلات عربية تحمل الجنسية الإسرائيلية مهمة رعايتهم!
لا تندهش وأنت تقرأ كلماتى فالدهشة الأكبر آتية، إذ أعلنت إسرائيل أن خطتها لاحتواء هؤلاء الأطفال -الذين سيلحق بهم أيتام آخرون- لن تقتصر على تعليم وحضانة أيتام سوريا نتاج حرب الميليشيات المخطط لها منذ برنارد لويس وبيرجينيسكى، ولكنها ستشمل منحهم الجنسية الإسرائيلية الدائمة مع السماح لأقاربهم من الدرجة الأولى بالانضمام لهم فى إسرائيل!! هل رأيت أرحم من ذلك؟ تحول قلب الذئب المفترس لحمل وديع حاضن موفر للأمن والمستقبل ومن قبلهما الهوية؟! فأى منطق وأبناء العرب يتجهون لواحة الأمن الوحيدة فى المنطقة حتى لو كانت هى التى سلبتهم الوطن والأمن والأهل؟ فيحصلون على جنسية إسرائيل ويشبون على رؤيتها؟ وقبل أن نغلق باب الدهشة نسيت أن أقول لكم إن إسرائيل ستقدم للأمم المتحدة بعد 4 سنوات من إقامة الأطفال وذويهم ما يضمن بقاءهم مدى الحياة فيها!
■ وفى عالم باتت فيه الذاكرة تتغير كل بضع دقائق لا بد أن تتوقف أمام تصريحات الرئيس الأمريكى الجديد المعلن لصعود اليمين بقوة فى غرب سيقود المستقبل بلغة هتلرية عنصرية تناسب المرحلة الحالية. فحينما تسمعه يقول إنه يدرس مع إدارته إعلان الإخوان جماعة إرهابية فلا تفرح ولكن انتظر الفعل وتبعاته بحذر. فالغرب الصانع والمؤسس للإخوان وتمويلهم مادياً ودعمهم معنوياً منذ عشرينات القرن الماضى، لن يتنازل بسهولة عن تلك الجماعة التى انبثق عنها كل جماعات التكفير والكراهية والخيانة عبر تنظيم منتشر فى 72 دولة كما يتفاخر الإخوان. ثم أليست تركيا محكومة بحزب أردوغان الإخوانى المروج لإسلام مختلف لدى الغرب؟ فهل ستخرج أمريكا تركيا المحكومة بالإخوان من حلف الناتو العسكرى؟ ثم ألم تعلن روسيا الإخوان منظمة إرهابية منذ 2004، فهل منع ذلك بوتين من التعامل مع أردوغان وانتماءاته الإخوانية كما فعل مع مرسى حين تجاهل استقباله ورفضت حكومته طلب عصام الحداد بإلغاء قرار إرهابية الإخوان؟
فى عالم مجنون، أنتظر القرار الذى لا يحمل لى غير أنه مؤشر لتغير بوصلة المصالح الغربية بقيادة الولايات المتحدة وخطوة جديدة لخطوات ربما تكون أكثر عبثية.
■ وفى عالم فقد الحياء مع المنطق لا تتوقف أمام من باعوا انتماءهم لوطن ليس لنا سواه فتاجروا به فى الخارج والداخل، وتذكر سنوات طوالاً غابت فيها الدولة عن صناعة وعى مواطنيها فى التعليم والإعلام والخطاب الدينى ففقد البعض الهوية وباتوا مسخاً لا علاقة له بوطن ولا أهل ولا انتماء. فبات كل ما يفرح الوطن ويمنحه الأمان والاستقرار هماً لهم والعكس صحيح. لا أعنى الإخوان فقط ولكن أعنى أيضاً عقولاً من المغيبين الذين تحولت معارضتهم إلى عداوة لبلادهم لا ينتج عنها إلا كل سواد ممزوج بغل فأدمنوا نشر الأكاذيب واليأس ورحبوا بالخيانة والفوضى والهدم، ليصل الأمر ببعضهم للقول ليتنا كنا سوريا أو اليمن أو العراق!! ولذا لا أملك إلا أن أقول لهم اتركونا فيما نتمنى العيش فيه واذهبوا لتعيشوا فيما سعيتم لنصل إليه.
■ فى زمن اللامنطق، تمسك بوعيك فى الفهم فاحمِ أرضاً وعرضاً وذكرى لا نملك غيرها حتى لو كان ذلك آخر فعلك فى الحياة.