عنوان هذا المقال مقتبس عن مقال نشره
أ. صبحى غندور، مدير «مركز الحوار العربى» فى واشنطن، وكان قد نشره بمجلة «الوعى العربى» فى 30 يونيو 2013، ورأيت أنه يصلح للتعبير عن مضمون ما أريد أن أصارح به أهل مصر اليوم حكاماً ومحكومين!
وخلاصة مقال صبحى غندور أن هذه ليست مصر التى عرفها العرب من سنين وكانت قبلتهم فى السياسة والفكر والعلم والاقتصاد والفن والصحة والعلاج، ناهيك عن تدفق آلاف العرب والأفارقة للالتحاق بمدارسها وجامعاتها والعلاج بمستشفياتها على أيدى أساطين الأطباء المصريين. وهو يطالب المصريين بأن «يعيدوا لمصر ولكل العرب مصر التى نفتقدها منذ أربعة عقود، مصر العربية التى لا تُهيمن عليها اتجاهات فئوية ولا تستنزفها صراعاتٌ طائفية أو أيديولوجية، ولا تلهيها معارك هامشية عن استعادة دورها القومى المنشود. مصر التى قوّتها فى عروبتها، والتى أمنها لا ينفصل عن أمن مشرق الأمَّة العربية ومغربها ووادى نيلها الممتد فى العمق الأفريقى».
وللأمانة، هذه أيضاً ليست مصر التى عرفناها نحن المصريين، ودرسنا تاريخها وتألمنا لنكساتها وفرحنا لانتصاراتها!
هذه ليست مصرنا، التى صنعت التاريخ بكفاح أبنائها ضد المحتلين من كل مكان فرنسيين وإنجليز، ومن قبلهم التتار والهكسوس، وفى كل مراحل الكفاح المصرى ضد الغزو أو الاحتلال الأجنبى كانت هناك جولات من هزائم وانتصارات، ولكن مصر كانت هى الأبقى والمنتصرة دائماً مهما كانت الخسائر المادية والبشرية!
هذه ليست مصرنا، التى كنا نفاخر العالم بزعمائها ونخبها على اختلاف مواقفهم السياسية وتوجهاتهم الحزبية، ولكنهم جميعاً كانوا مصريين حتى النخاع ينتفضون ضد الحكام غير المصريين وضد المحتل الأجنبى من أيام الحملة الفرنسية وجهاد السيد عمر مكرم، وبعده زعماء خلّدهم التاريخ؛ أحمد عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد، ثم سعد زغلول ومصطفى النحاس، وصولاً إلى فؤاد سراج الدين وجمال عبدالناصر وأنور السادات.
هذه ليست مصرنا، التى تكلست أحزابها وقواها السياسية وانعزلت عن الجماهير وفقدت تأثيرها فى تشكيل الواقع السياسى والاقتصادى والاجتماعى، ورضى بعضُها بمقاعد قليلة فى مجلس نواب لا يقدم شيئاً ذا بال للمصريين وينكص عن ممارسة صلاحياته الدستورية، ناهيك عن تقنين الدستور وتفعيله وتحقيق مقاصده!!
هذه ليست مصرنا، التى قاومت شرطتها الباسلة المحتل الإنجليزى فى الإسماعيلية وخلّد التاريخ المصرى يوم 25 يناير 1952 وأبطال الشرطة الذين استشهدوا فى تلك المعركة. كما خلّد التاريخ قرار «عبدالناصر» بـ«تأميم الشركة العالمية لقناة السويس، شركة مساهمة مصرية»، ويومها أطلق كلمات نارية وسط الجماهير الغفيرة بميدان المنشية فى الإسكندرية، يوم 26 يوليو 1956، معلناً تأميم شركة قناة السويس.
هذه ليست مصرنا، التى استردت كبرياءها وكرامتها يوم عبر جنودها الأبطال قناة السويس ودكّوا سد بارليف يوم السادس من أكتوبر 1973.
هذه ليست مصرنا، يوم ثار شعبها مرتين فى أقل من ثلاث سنوات، فأسقط يوم 25 يناير 2011 حكم «مبارك» الذى استبد بالوطن والمواطنين ثلاثين عاماً تم خلالها إفقار المصريين وتجريف الوطن، ثم أنهى حكم الجماعة الإرهابية بثورة 30 يونيو وعزل مندوبها فى قصر الاتحادية، محمد مرسى، يوم 3 يوليو 2013.
هذه ليست مصرنا، التى تغنينا بمبدعيها من كتّاب ومفكرين وفنانين طوال سنوات كان كل ما حولها لا يرقى إلى ما يتمتع به المصريون من ثقافة وحضارة. كانت مصر التى نعرفها هى مصر طه حسين، عباس العقاد، إبراهيم المازنى، إبراهيم ناجى، عبدالرحمن الشرقاوى، ونجيب محفوظ. مصر أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، وحديثاً مصر صلاح جاهين وسيد حجاب!
هذه ليست مصرنا، التى كانت جامعاتها أيام أحمد لطفى السيد وطه حسين ومستشفياتها أيام عبدالوهاب مورو وإبراهيم بدران ومحمود محفوظ، وكانت مدنها وطرقها ومبانيها تطاول أرقى الجامعات والمؤسسات التعليمية والعلاجية والصحية فى العالم الحديث، وكانت القاهرة والإسكندرية من أجمل وأرقى مدن العالم المتحضر إلى وقت ليس بعيداً!!
هذه ليست مصرنا، التى كانت أول إرهاصة لقيام حياة نيابية فيها عام 1829 فى عهد محمد على باشا، بانى مصر الحديثة، عندما أنشأ مجلساً للمشورة يتكون من كبار التجار والأعيان والعمد والمشايخ والعلماء على الرغم من أنه كان مجلساً استشارياً. ثم كانت الطفرة بقيام مجلس شورى النواب فى ديسمبر 1866.
هذه ليست مصرنا، التى صدر بها أول دستور للبلاد سنة 1882، ثم صدر بعده دستور 1923 الذى انعقد وفقه أول برلمان مصرى فى 15 مارس وهو أول مجلس نيابى حقيقى له سلطة مساءلة الحكومة وسحب الثقة منها، ولا تستطيع الحكومة أو الملك سنَّ أى قوانين أو تشريعات جديدة قبل عرضها على المجلس والتصويت عليها إما بالرفض أو القبول.
هذه ليست مصرنا، التى نجح فيها طلعت حرب فى تمصير الاقتصاد الوطنى وأقام بنك مصر بأموال المصريين وأتبعه بالعديد من الشركات العملاقة القائمة حتى اليوم، وأقام فيها أحمد عبود وعلى يحيى ومحمد فرغلى وغيرهم من أساطين الصناعة والتجارة شركات كانت أساسية لبناء اقتصاد مصرى وطنى غير تابع لمؤسسات دولية تفرض رؤاها على مصر، اقتصاد غير معتمد على القروض والمنح والمعونات!!
هذه ليست مصرنا، التى تكتظ جامعاتها بملايين الطلاب والطالبات يدرسون مناهج متقادمة وبرامج غير متناسبة مع احتياجات سوق العمل سواء فى مصر أو فى الدول العربية التى طالما اعتمدت على خريجى الجامعات المصرية لسد احتياجاتها إلى العمالة الكفؤة وأصبحت الآن ومنذ سنوات تعزف عنهم وتجد ضالتها فى غيرهم من جنسيات أكثرها غير عربية.
هذه ليست مصرنا، التى تتكاثر بها العشوائيات، ويصطف المرضى بالساعات والأيام بل والشهور بحثاً عن فرص العلاج فى المستشفيات العامة دون جدوى لأنهم لا يستطيعون التعامل مع المستشفيات الخاصة وما يسمى «الاستثمارية»!
هذه ليست مصرنا، التى تحول دستورها إلى وثيقة مجمدة، وتتبارى حكومتها ومجلس نوابها فى عدم تنفيذ أحكام قضائية باتة ونهائية وواجبة التنفيذ ولا يقبل الطعن عليها، كما فى حالة حكم محكمة النقض بتصعيد د. عمرو الشوبكى لمجلس النواب بدلاً من عضو آخر ثبت للمحكمة حصوله على أصوات أقل، وحكمى محكمة القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، ثم حكم المحكمة الإدارية العليا فى 16 يناير 2017 بتأييد حكم البطلان ورفض الطعن الذى كانت الحكومة قد تقدمت به!!!
هذه ليست مصرنا، التى يتهاوى فيها الإعلام إلى مستويات غير مسبوقة من عدم المهنية والإفراط فى مديح السلطة الحاكمة وتمييع المواقف الوطنية، ناهيك عن محاولات تغييب العقل المصرى والتوسع فى طمس الهوية المصرية بزيادة جرعات البرامج والمسلسلات والأفلام الهابطة المصرية والتركية والهندية، فضلاً عن منتجات هوليوود الأمريكية!!!
هذه ليست مصرنا، الذى يسود الفساد والإرهاب أركانها، وتعجز مؤسسات الدولة عن تجفيف منابع كل منهما، وأقصى ما تتمكن منه تلك المؤسسات هو ملاحقة الفاسدين ومكافحة الإرهابيين، أما القضاء على الفساد والإرهاب فأمرهما يخرج عن قدرات القائمين على هذا الأمر!
أيها المصريون، حكاماً ومحكومين، أعيدوا لنا مصرنا، فنحن فى أمس الحاجة إليها، كما أن العالم الآن يفتقدها!!!!!!