بالإعلان الدستورى المكمل، والصادر فى ١٧ يونيو ٢٠١٢، أصبحنا بالفعل مع تمديد للمرحلة الانتقالية واستمرار لليد العليا للمجلس العسكرى فى السياسة المصرية، نعم لدينا الآن رئيس منتخب وبعد مشاركة شعبية واسعة، إلا أن الرئيس صلاحياته منقوصة بوضوح ويواجه مجلساً عسكرياً حصن تشكيله الحالى واحتفظ لنفسه بصلاحيات تشريعية كاملة وتنفيذية مؤثرة للغاية.
فالعسكرى هو المسئول الأوحد عن كافة شئون القوات المسلحة وميزانيتها وتعيين قاداتها ولا علاقة لرئيس الجمهورية المنتخب بالأمر من قريب أو بعيد، وإعلان الحرب وتكليف القوات المسلحة بمهام لتأمين البلاد وحماية المنشآت الحيوية ليس لهما أن يتما إلا بعد أن يأذن المجلس العسكرى للرئيس بهذا، وتدخل المؤسسة العسكرية فى شئون الأمن وإدارة كل ما ارتبط بها يحميه قرار وزير العدل بتخويل الشرطة العسكرية والمخابرات الحربية صفة الضبطية القضائية.
والعسكرى له، وبعد حل مجلس الشعب، اختصاص تشريعى كامل وهو يقر الموازنة العامة للدولة ويحدد من ثم الإطار التشريعى والسياسى الذى سيتحرك به الرئيس المنتخب. الرئيس بهذا فى وضع أشبه بالمسئول التنفيذى الأول الذى سيختار معاونيه (رئيس الوزراء والوزراء) وستكون ممارسته لمهامه مرهونة بموافقة العسكرى على القرارات الهامة والحيوية.
والعسكرى له أيضاً -وبعيدا عن جدل الأيام المقبلة بشأن مصير الجمعية التأسيسية للدستور التى قد يشكلها العسكرى بالكامل إن أسقط تشكيلها الحالى- حق الاعتراض على نصوص الدستور التى ستضعها الجمعية وطلب إحالتها للمحكمة الدستورية العليا للفصل بها، لن أبكى على الجمعية التأسيسية الحالية إن حلها القضاء الإدارى، فقد اعترضت على تشكيلها الصادم، وناديت مرارا بإعطاء هذا الدور المؤثر للمحكمة الدستورية لتكون بمثابة ضابط إيقاع لعملية وضع الدستور الجديد ولكى نستفيد من تجارب دول سبقتنا على مسار التحول الديمقراطى.
إلا أن إعطاء العسكرى حق الاعتراض على نصوص الدستور ومعه أيضا من يجسد السلطة التنفيذية كرئيس الجمهورية المنتخب ورئيس الوزراء، يؤسس لتداخل وتضارب فى السلطة ويمنح العسكرى وضعية استثنائية، وكان الأجدر قصر حق الاعتراض هذا على المجلس الأعلى للهيئات القضائية وخمس أعضاء الجمعية التأسيسية، وهو أمر جيد، وإن أريد تخويل السلطة التنفيذية ذات الحق، فكان ينبغى قصره على الرئيس المنتخب.
نحن مع مرحلة انتقالية ما زال للعسكرى بها اليد الطولى فى السياسة المصرية وما زال أفقها الزمنى غير واضح، نحن مع مرحلة انتقالية بها رئيس منتخب منقوص الصلاحيات وعسكرى له صلاحيات تشريعية وتنفيذية واسعة، إلى حين وضع الدستور الجديد، غاب البرلمان المنتخب وجاء الرئيس المنتخب، وفى الحالتين بصلاحيات منقوصة وبدون دستور. وهذا الدستور تحيط به الشكوك المشروعة وبالجمعية التأسيسية التى ستضعه وإجراءاتها، إذن لا تسليم حقيقياً للسلطة بمصر بعد، ولن يغير تاريخ ١ يوليو ٢٠١٢ من تركيبة السياسة، ومن الأمر الكثير.