تكفى زيارة خاطفة لمدينة صينية واحدة لتعطيك مؤشراً على نهضة هذا الشعب الذى يتجاوز تعداده المليار و400 مليون نسمة، فخلال 3 عقود من الزمن نجح التنين الصينى فى الهرب من شباك الفقر التى جعلت معظم الصينيين يأكلون القطط والكلاب والقوارض وكل ما يمشى على الأرض من دابة من شدة العوز، لتغزو المنتجات الصينية كل بيت ليس فقط فى العالم الثالث بل فى أوروبا وأمريكا نفسها، وليصبح اقتصاد الصين الثانى عالمياً، والمرشح لصدارة اقتصاديات العام فى السنوات القليلة المقبلة.
انفرد الحزب الشيوعى الحاكم بصناعة نموذج حكم فريد، حقق نهضة شاملة لجمهورية الصين الشعبية، التى حصلت على استقلالها بعد صراع مسلح مع الإمبراطورية اليابانية، فهو الحزب الشيوعى الوحيد فى العالم الذى يتبنى اقتصاديات السوق الحر (أساس النظام الرأسمالى النقيض للشيوعية)، فيحكم الاقتصاد بنظريات مناقضة لأيديولوجيته، ويحكم فى السياسة بنظام الحزب والصوت الواحد، لكن الأرقام الصادرة من مجموعة البنك الدولى ترصد نمواً مذهلاً لاقتصاد هذا البلد العجيب الذى لم ينشغل بفزاعة الانفجار السكانى التى يلوكها كثير من المسئولين فى بلاد أخرى.
يقول المؤشر البيانى للناتج المحلى الإجمالى لجمهورية الصين، الصاعد بسرعة الصاروخ، إن الناتج المحلى ارتفع من 50.6 مليار دولار عام 1960 إلى 192 مليار دولار عام 1980، ثم قفز إلى 1.21 تريليون دولار عام 2000، ليصل بنهاية عام 2015 إلى 11.01 تريليون دولار.. والمدهش أن الخط البيانى للناتج المحلى الصينى كان ملازماً لارتفاع مؤشر الزيادة السكانية للشعب الصينى، ما يؤكد أن الزيادة السكانية يمكن بسهولة أن تتحول إلى قيمة مضافة للاقتصاد ومشروعات التنمية وليس العكس كما هو الحال عندنا، فقد ارتفع تعداد سكان الصين من 660 مليون نسمة عام 1960 إلى 933 مليونا عام 1980، وقفز إلى مليار و260 مليون نسمة عام 2000، ثم ارتفع إلى مليار و370 مليون نسمة فى نهاية عام 2015.
وارتفع نصيب المواطن الصينى من الدخل القومى عام 1962 من 70 دولاراً سنوياً، إلى 220 دولاراً فى عام 1980، ليقفز عام 2000 إلى 940 دولاراً، قبل أن يصل بنهاية عام 2015 إلى 7930 دولاراً، وفق بيانات البنك الدولى الرسمية.
لم أملك بعد أن تجولت فى شوارع مدينة جوانزو الخضراء، التى تخلو من القمامة وأعقاب السجائر، ويمر من خلالها ملايين البشر بسياراتهم فى سهولة ويسر، إلا أن أدعو الله بدعاء واحد: «يا رب مصر تبقى زى الصين»، بس من غير الحزب الواحد ومن غير ما ناكل لحم القطط والكلاب.