«توحة».. فتوة الجيارة: فين أيام الحزب الوطنى!
فى منطقة الجيارة فى مصر القديمة، لا أحد لا يعرف توحة، كانت فتوة المنطقة، تقوم بأعمال بلطجة بالأجرة، تتنوع بين الردح والضرب والشتيمة والتجريس، لكنها تابت إلى الله واعتزلت المهنة واكتفت ببيع بضائع بسيطة أمام منزلها.
مثلما يقول المثل الشعبى «يموت الزمار وصوابعه بتلعب».. لم تمنع توحة نفسها من «جر شكل» السيدات فى منطقتها، فهى منذ الصباح الباكر تجلس أمام منزلها وإلى جوارها الشيشة، تستنشق دخانها بشدة مرة، وتشاكس «الرايح والجاى» مرة أخرى.
توحة فى «الجيارة» أشهر من نار على العلم، سيرتها وماضيها كفيلان بإرهاب قلوب نساء المنطقة، فهى تمثل زمن الفتونة الحقيقى الذى انتهى مع زحف الشيب إلى رأسها والمرض إلى جسدها. عندما تسألها عن ماضيها تبتسم وتقول: «كنت أسطورة.. الناس كلها لسه بتتحاكى بيا، بس ماحبش اللى يقول عليا بلطجية.. فتوة ماشى».
تصمت توحة قليلا ثم تروى: «كنت باخد فى العلقة 100 جنيه، أيام ما كان الجنيه ليه قيمة، و50 جنيه أو أقل فى الردح وكله حسب الزبون ومقدرته».
توحة لم تؤدِّ هذا العمل بمفردها، بل كونت تجمعا نسائيا من قريبات لها، بحيث يكون الاتفاق مع توحة والتنفيذ جماعة، وكان عمل هذا التجمع النسائى يتنوع بين ضرب امرأة أو رجل أو الردح أو تجريس شخص معين، وبعد الاتفاق مع الزبون تجلس توحة مع فريقها تضع الخطة حسب المكان والشخصية، وبعد التنفيذ يلتقين لتوزيع الأجرة: «كنا بنضرب واحدة غاظت ضرتها ومش عارفة تعمل معاها حاجة.. نضرب راجل ظلم ست وأخد حقها.. نضرب صاحب شغل طرد واحد».
«توحة» -التى لم تنجب قط رغم زواجها مرتين- تعترف بأنها كانت تضرب «علقة موت» لكنها لم تستخدم السلاح ولا مرة، ولا تترك عاهة مستديمة أو كسرا أو جرحا على جسد من تضربه: «ده الضرب بحرفنة».
عملت «توحة» مع الحزب الوطنى قبل أن يقعدها المرض.. وآخر انتخابات شاركت فيها كانت فى 2005 وكانت مهمتها ضرب النساء فى المظاهرات وأمام اللجان، وكانت تتقاضى من الحزب 50 جنيها يوميا، ووجبة وعلبة سجائر، وكانت مسئولة عن تجميع عدد من النساء يتم توجيههن إلى اللجان أو المؤتمرات الانتخابية.
«فين أيام الحزب الوطنى.. بصراحة نفعنا واستنفع مننا».. قالتها «توحة» التى ترى أن الحزب الوطنى كان يخشى من صعود الإسلاميين: «كانوا خايفين على البلد وكان عندهم حق.. البلد راحت فى داهية بعدهم، والثورة ملت الشوارع بلطجية وحرامية».
بعد أن تابت إلى الله تعمل «توحة» حاليا فى بيع الخضر والفاكهة وأحيانا السجائر والجرائد، ورغم أنها تغير مهنتها كثيرا فإن جلوسها أمام منزلها لمشاكسة الجيران لم يتغير: «أنا مش بعاكسهم كده غلاسة.. فيه حاجات مابتعجبنيش.. خصوصا البنات اللى لبسها ضيق.. لو كنت بصحتى كنت قمت عجنتهم».