ذكر المفتى أنه يقف على الحياد فى الانتخابات، داعياً لاختيار الأصلح، فاعتبر القرضاوى الحيادية حراماً، والمفتى عدواً للثورة، ودعا الخطباء ألا يتبعوه، وأن يوجهوا المصلين لانتخاب مرسى، على أن المفتى لم يؤيد شفيق، وحرّم المقاطعة، وهى الدعوة التى رحب بها الإخوان، فضلا عن أن المفتى يذكر د. مرسى بكل احترام.
والقرضاوى اعتمد بفتواه على أن مرسى مرشح الإسلام قطعاً، وشفيق مرشح الشيطان قطعاً، ومن ثم فانتخاب مرسى ليس مطلباً سياسياً بل واجب شرعى، يترتب عليه رضا الله أو سخطه.
والقرضاوى بكلامه يؤجج -دون قصد- الفتن، باستخدام العلم لخدمة أيديولوجيات ضيقة، والعالِم يقاس بعدله لا بعلمه.
ولأن الله أراد اللطف بمصر، مضت الجمعة دون مشكلات، ولو استجاب الخطباء للدعوة لسالت دماء فى المساجد.
وكلام القرضاوى يخالف قواعد الديمقراطية التى ارتضاها الحزبيون، ويُسقط ما تبقى للعلماء من مكانة فى نفوس الشباب، ويُفقد الأمة العالم الذى يعلو فوق الانتماءات، ويحصر احترام العلماء فى نفوس أتباعهم فقط ممن التقت أيديولوجيتهم مع فتواهم، وبالتالى ينهار ركن «الهداية» للأمة جميعاً، وهو الركن الذى قام الدين من أجله، وإذا جاز القول إن الحيادية عيب فى حق الكاتب أو الحزبى، فإنها شرف فى حق العالم لأنه فوقهم.
والخلط الذى حدث عند القرضاوى أنه اعتبر موقفه السياسى حكماً مقدساً، وهو مقبول لو سلَّمنا بصحة التقديس، إلا أن آخرين يرون أن الإخوان، بل الإسلاميين، ليسوا أمناء لا على الدين ولا مصر، وأنهم كاذبون لا يختلفون عن النظام القديم، ويستدلون على قولهم بتأسيسية الدستور، وترك الميدان، والمواءمات مع العسكر، والجهل بقوانين يعرف المبتدئ عدم دستوريتها، وأخذ قروض ربوية من صندوق البرلمان، مع أنهم يحرمونه على غيرهم، وبما يشاع من جرائم أخلاقية كجريمتى البلكيمى وونيس.
والقرضاوى الذى يهتك عرض من يقف محايداً، فضلاً عمَّن لم يصوت للإخوان سبق أن قال على الموجودين الآن فى الإخوان «إنهم خانوا الدعوة والجماعة والأمة، وضموا المتردية والنطيحة»، ووصفهم فى مذكراته بأنهم «يخافون من المفكر والمثقف، ولا يريدون إلا الطاعة العمياء»، وذكر أن «هذه العيوب لا هى تغيرت فى الجماعة، ولا الجماعة فكرت أصلاً فى تغييرها».
إن كل من انتخب الإخوان له وجهة، وبعض من انتخب شفيق له وجهة، على أن كاتب المقال يرى شفيق غير مناسب سياسياً ولا أخلاقياً، وموقفى هذا غير مقدس، وكذا موقف معارضى؛ لأنها ظنون لا يقينيات، والكل صحيح بعد التجرد وسلامة النيات.
والعجيب أن القرضاوى لا ينصح بهذه القوة أصدقاءه عملاء الصهاينة كحمد بن جاسم، ويقول: نصحتهم سراً.. سبحان الله.. سرية ورفق وضعف مع أصدقائه عملاء الصهاينة القطريين، وجهرية وقوة وتشويه مع رفيقى دربه المصريين شيخ الأزهر والمفتى.
مشكلة فتاوى القرضاوى السياسية أنها نبعت من ميوله الإخوانية؛ فهو أول من شارك فى عملية التأطير والتكوين للجماعة داخل محاضنها التربوية الخاصة، لكن اتساع دوره فى تحصين الصف الإخوانى من الضربات المتلاحقة الإعلامية والقانونية جعله يقدم الوقود للمعارك الإخوانية على حساب القواعد الشرعية والمصالح الكلية.
وما عدا ذلك فللشيخ مكانته؛ فهو إمام الوسطية ورمزها، ولو لم يكن له إلا موسوعته عن الزكاة لكفته، فكيف وللإمام عشرات المؤلفات التى طارت بها الركبان شرقاً وغرباً؟