فى العاشر من فبراير، تحل الذكرى السنوية التاسعة بعد المائة لوفاة الزعيم الخالد مصطفى كامل، الذى توفى وهو فى ريعان شبابه عن عمر يناهز 34 عاماً. وتأتى هذه الذكرى فى ظل ظروف صعبة تمر بها المنطقة العربية، حيث تعصف الحروب الأهلية والإرهاب بالعديد من دولها، الأمر الذى قد يبعث على الإحباط، ويتطلب منا بالتالى استدعاء روح التفاؤل، باعتبارها السبيل لاستنهاض العزيمة والإرادة والأمل للتغلب على التحديات الجمة التى تواجهها المنطقة. وهكذا، نرى من الملائم الإشارة إلى بعض المقولات المأثورة للزعيم الخالد مصطفى كامل: «لو لم أكن مصرياً، لوددت أن أكون مصرياً»، «لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس»، «الأمل هو دليل الحياة والطريق إلى الحرية».
والواقع أن الأمم والشعوب والأفراد تحتاج إلى ما يبعث لديها روح التفاؤل والأمل فى غد أفضل. ويحفظ لنا التاريخ الإنسانى العديد من العبارات المأثورة لبعض الزعماء الذين غيروا وجه الحياة فى مجتمعاتهم وأثروا فى شعوبهم من خلال عبارات الأمل والتفاؤل. ولعل أول ما تجدر إليه الإشارة فى هذا الصدد خطبة الزعيم مارتن لوثر كينج، بعنوان «لدى حلم» (I have a dream). ويعتبر الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما من أبرع الساسة الذين عمدوا إلى دغدغة مشاعر الجماهير من خلال بث روح الأمل والتفاؤل. وللتدليل على ذلك، يكفى أن نشير إلى كتابه المنشور فى العام 2006م، عندما كان «سيناتور» فى مجلس الشيوخ، والذى حمل عنوان «جرأة الأمل.. أفكار عن استعادة الحلم الأمريكى». وسيراً على النهج ذاته، كان شعار حملته الانتخابية إلى البيت الأبيض، التى جاءت تحت عنوان «نعم نستطيع».
وإذا كانت المجتمعات كافة تحتاج إلى الشعور بالأمل، فإن هذه الحاجة تعظم فى فترات الانكسار والهوان، بحيث تبحث عمن يستنهض لديها الهمة والعزيمة فى استعادة أسباب القوة. ويمكن أن نشير فى هذا الصدد إلى الدور العظيم الذى قام به الزعيم الفرنسى الراحل شارل ديجول عندما تصدر صفوف المقاومة ضد الاحتلال النازى من خلال مقولته الخالدة: «لقد خسرنا معركة ولكن لم نخسر الحرب». ولعل الرغبة فى بعث الأمل والتفاؤل لدى الشعب المصرى هو الذى دفع الحكومة إلى اختيار عبارة «مصر تستطيع» عنواناً للمؤتمر المنعقد فى مدينة الغردقة خلال شهر ديسمبر 2016م، بحضور 30 عالماً وخبيراً من أبناء مصر بالخارج.
وقد حث الشرع الحنيف على التفاؤل والتحلى بالأمل. ففى محكم التنزيل، يقول الله عز وجل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (سورة الزمر: الآية 53). ويقول سبحانه: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (سورة الشرح: الآية 6). وروى عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: [تفاءلوا ولا تشاءموا]. وقال صلى الله عليه وسلم: [تفاءلوا بالخير تجدوه]. وقد كان التفاؤل سلاح النبى يعقوب فى مواجهة الشدائد التى ألمت به: {قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِى بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (سورة يوسف: الآية 83). ويقول: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (سورة يوسف: الآية 87).
وعلى الصعيد القانونى، وفى حكمها الصادر بتاريخ 17 يناير 2017م، أشارت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى «الحق فى الأمل»، وذلك بمناسبة قضية فينتر ضد المملكة المتحدة، حيث قضت بأن السجن مدى الحياة بدون أى مراجعة يخالف المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، مؤكدة أن المحكوم عليه بالسجن مدى الحياة ينبغى أن يحتفظ بالحق فى الأمل فى الإفراج عنه يوماً ما.
وختاماً، نعتقد أن المهمة الأسمى للحكومات هى بعث الأمل لدى مواطنيها فى غد أفضل. فإذا كانت الحكومة لا تملك عصا سحرية لتغيير الواقع فى وقت قصير، فإن الشعور بالأمل يمكن أن يتحقق من خلال تغيير آليات العمل الحكومى بحيث يتولد لدينا الشعور بأننا نسير فى الاتجاه الصحيح.