«صان الحجر» بالشرقية.. رحلات الموت إلى الزقازيق بحثاً عن العلاج
الوحدة الصحية بمدينة صان الحجر تعانى من تدهور الخدمات الطبية
75 كيلومتراً مسافة فاصلة بين الحياة والموت فى مدينة «صان الحجر» شمال محافظة الشرقية، اعتاد الأهالى على قطعها وأفواههم تتمتم بالدعاء إلى الله أن ينقذ مريضهم من موت محقق إثر تدهور الخدمات فى الوحدة الصحية الكائنة بالمدينة ورفض المسئولين طلب الأهالى بإنشاء مستشفى مركزى.
600 ألف نسمة بلا خدمات طبية.. والمسئولون يرفضون إنشاء مستشفى مركزى بعد تبرع الأهالى بالأرض
«عايشين فى منفى، مفيش خدمة طبية ولا علاج، وكأن المسئولين عاوزين اللى يمرض يموت».. كلمات محملة بنبرة حزن، وصفت بها «أم محمد»، 33 عاماً، ربة منزل، حال الخدمة الطبية بالمدينة، مضيفة: «لو حد تعب تبقى مصيبة بنشيل هم العلاج أكتر ما بنشيل هم المرض.. الوحدة الصحية لا تتوفر فيها أدوية أو حتى سرنجة وتغلق أبوابها بمجرد حلول الساعة الثانية ظهراً وأقرب مستشفى لنا على بعد 22 كيلومتراً فى مركز الحسينية وإذا كانت الحالة حرجة يتم تحويلها لمستشفيات مدينة الزقازيق ويستلزم ذلك قطع مسافة تصل إلى 75 كيلومتراً، يعنى ممكن المريض يموت فى الطريق».
تذكرت ربة المنزل آلام الولادة التى جاءتها فى العاشرة ليلاً منذ ما يقارب ثلاث سنوات، حاول زوجها إسعافها بنقلها للوحدة الصحية إلا أن أبوابها كانت مغلقة، واضطر للاستعانة بدراجة بخارية لنقلها إلى إحدى العيادات الطبية الخاصة، بعد أن فشل فى استئجار سيارة «ربع نقل»، حيث يرفض السائقون القيادة بمجرد حلول المساء، وأشارت إلى أن الطبيب شخّص حالتها على أنها حرجة، ورفض إجراء عملية الولادة فى عيادته الخاصة، واستدعى سيارة إسعاف لنقلها إلى مستشفى الزقازيق الجامعى. وتابعت قائلة: «قضيت 3 ساعات فى الطريق شُفت فيهم الموت والدكاترة فى المستشفى لحقونى على آخر لحظة، والحمد لله ربنا نجانى عشان خاطر أولادى الثلاثة».
سماسم عبدالرحمن، مُسنة من سكان المدينة، أكدت أن المسئولين تجاهلوا شكاوى الأهالى، رغم معاناتهم اليومية، فيما يخص الوحدة الطبية، مشيرة إلى أن نجلها كن مريضاً بالسرطان وكان أشقاؤه يتولون نفقات علاجه فى مستشفيات الزقازيق، وحينما كان يتألم من المرض، لم يجد أشقاؤه فى الوحدة الصحية حتى حقنة مسكنة إلى أن توفاه الله، مضيفة: «أُصبت فى حادث تصادم سيارتين ونقلنى الأهالى للوحدة الصحية لعلاج جرح غائر فى عنقى، ولم يجد الأهالى من يعالجنى فاضطروا إلى نقلى لمستشفى الحسينية.. يرضى مين إن واحدة مسنة تقطع مسافة أكتر من 22 كيلو عشان العلاج».
وقال فهمى البلتاجى، من أهالى قرية صان الحجر، إنه على الرغم من تاريخ مدينة صان الحجر التى تضم مواقع أثرية مهمة، فضلاً عن أهمية موقعها الجغرافى، كونها تربط بين محافظات سيناء وبورسعيد والدقهلية والإسماعيلية، فإن ذلك لم يشفع للمدينة وأهلها لدى أى من المسئولين، ووصل الإهمال إلى عدم وجود مستشفى مركزى بالمدينة، وتدنى كل الخدمات ومنها الطرق ووسائل المواصلات، إضافة إلى أنها تقع على بعد 75 كيلومتراً من مدينة الزقازيق التى تضم أهم المستشفيات الحكومية «الزقازيق الجامعى، الأحرار، الزقازيق العام». وناشد المسئولين إعادة النظر فى الخدمات المقدمة للمدينة، خاصة الخدمة الطبية.
وأضاف أن الأهالى تقدموا بعدة طلبات وشكاوى للمسئولين لتحويل مبنى الوحدة الصحية الكائن بمدينة صان الحجر إلى مستشفى مركزى لتوفير الخدمة الطبية للأهالى خاصة أنه يقع على مساحة كبيرة ويضم مبنى مكوناً من 5 طوابق لا يستغل منه سوى غرف محدودة وباقى الغرف فارغة تماماً، ويوجد فى بعضها أجهزة طبية غير مستغلة، وحينما تجاهل المسئولون شكواهم أطلق الأهالى مبادرة أهلية لمحاولة تطوير الوحدة أملاً فى توفير الخدمة الطبية خاصة لمرضى الغسيل الكلوى الذين يواجهون مشقة فى الحركة والانتقال لأى مستشفى خارج المركز، مشيراً إلى أنهم أنشأوا وحدة الغسيل الكلوى والعيادات الخارجية بالجهود الذاتية بقطعة أرض خالية، داخل الوحدة الصحية، بتكلفة قدرها مليون و500 ألف جنيه. وأوضح أن الوحدة تضم 7 ماكينات للغسيل الكلوى ووحدة لمعالجة المياه قبل وبعد عمليات الغسيل. من جانبه، قال مصدر طبى بالوحدة الصحية بمدينة صان الحجر، رفض ذكر اسمه، إن مركز صان الحجر يضم 19 وحدة صحية، موزعة فى عدة قرى، إضافة للوحدة الصحية الكائنة بالمدينة، وجميعها تعانى من عجز فى الأطباء، ما ينعكس بالسلب على تدنى الخدمة الصحية المقدمة، لتتحول تلك الوحدات إلى مجرد مبانٍ خاوية، مضيفاً أن الوحدات لا يوجد بها سوى 6 أطباء ممارسين فقط، بسبب رفض الكثير من الأطباء العمل بمدينة صان الحجر، نظراً لبعد المسافة.
فيما أكد رائف تمراز، عضو مجلس النواب عن دائرة مركزى الحسينية وصان الحجر، أن المدينة يبلغ عدد سكانها أكثر من 600 ألف نسمة وأقرب مستشفى يبعد عنها بما يقارب 80 كيلومتراً إضافة إلى أنها من المدن السياحية الجديدة نظراً لضمها آثار الأسرتين 21 و22 الفرعونية، إلا أنها لا يوجد بها مستشفى يضاهى قيمتها، لافتاً إلى أنه تقدم بطلب لرئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل بإنشاء مستشفى طوارئ بعد تبرع الأهالى بالأرض التى تبلغ مساحتها ستة أفدنة لإقامة المستشفى.