«جواب نهائى؟».. يروق لى دوماً ذلك السؤال الشهير الذى اعتاد أن يلقيه «جورج قرداحى» على ضيوفه فى برنامج المسابقات الأشهر فى الوطن العربى.. ذلك السؤال الذى ينهى به دائماً فاصل الحيرة والشك الذى يعترى المتسابق وهو يختار بين الإجابات المتشابهة.. ليفوز بجائزة مالية تسيل اللعاب!
لقد تحول السؤال -الذى تعودنا على صيغته بأسلوب المذيع وبلهجته اللبنانية الأثيرة- إلى طُرفة نتداولها بين كلماتنا الدارجة.. فنسأل بعضنا دوماً فى نهاية كل نقاش عن اختيارات متعددة.. «جواب نهائى؟!!
إنها محاولة لإنهاء الجدل.. وحسم التردد الذى يعترينا فى كثير من الأوقات.. ومحاولة لاستخراج ما يبعث على الثقة من بين حروفنا.. إنه الاختيار الأنسب والأفضل من وجهة نظرى.. إنه جوابى النهائى الذى سأتحمل تبعاته فى النهاية بالكامل.. والذى ربما يحرمنى من الفوز بالجائزة إذا أخطأت الاختيار!!
للأسف.. لم تجب الحكومة حتى الآن عن هذا السؤال.. بل لا تجيب عليه أصلاً فى أغلب المواقف.. دوماً هناك الغموض والتردد الذى يبدو أنه قد صار إحدى صفاتها المتأصلة.. بل والحيرة فى الاختيار التى تنم عن عدم وضوح الرؤية بالنسبة لها تماماً!!
ننتظر جميعاً التعديل الوزارى الذى وعد به سيادة الرئيس فى حديثه لرؤساء تحرير الصحف القومية منذ فترة.. ننتظره ولا يأتى أبداً لأسباب لا يعرفها أحد سوى السيد رئيس الوزراء وحده!
تتناثر الأخبار والأقاويل عن تغيير البعض من الوزراء الذين أثبتوا فشلهم الذريع خلال الفترة السابقة.. ويتحفنا المصدر المسئول الذى لا يذكر اسمه أبداً كل صباح بأسماء مرشحين لوزارات كثيرة.. على رأسها الصحة والتعليم تحديداً!! دون أن يملك أحد يقيناً أو يعرف حقاً من هو البديل.. لا يبدو أن حكومتنا تملك أجوبة نهائية أبداً.. لا تحسم اختيار أعضائها ولا تحدد حتى من منهم سيرحل ومن الذى سيبقى.. لا تعرف حكومتنا ماذا تريد.. ولا تضع معايير لاختيار الوزراء أو حتى لقياس كفاءتهم.. وهو ما يجعلها فى حيرة من أمرها فى معظم الأحوال! الطريف أن أخباراً قد تناثرت أن بعض الوزراء المفترض رحيلهم قد يبقون فى مناصبهم لأنهم لا يجدون بديلاً لهم.. أو أنهم قد وجدوا اعتذارات كثيرة من المرشحين للمنصب.. وهو تبرير أعتقد أنه أكثر قبحاً حتى من الدفاع عن الوزير الذى فشل فى مهمته.. فربما نختلف على نجاح وزير أو فشله فى منصبه.. ولكن أحداً لن يقبل أن يبقى وزير بالرغم من الإجماع على الاعتراف بفشله لأنه «لا بديل له»!
إن الإبقاء على وزير اجتمع الجميع على فشله هو قمة التخبط والفوضى.. واعتذار البعض عن عدم قبول المنصب لا يعنى أن صاحبه «يضحى» بالبقاء فيه.. تحتاج الحكومة أن تحسم أجوبتها النهائية سريعاً.. ربما ليس فى ملف التعديل الوزارى فحسب.. تحتاج أن تضع معايير واضحة ومحددة لقياس الكفاءة والأداء لكل أعضائها.. تحتاج أن تضع قائمة طويلة لكل منصب من ذوى الكفاءة الذين تمتلئ بهم أرض هذا الوادى الطيب.. تحتاج أن يعرف كل مسئول بها أنه فى مهمة وطنية.. وأن منصبه ليس بمعزل عن الحساب.. بل وأن الحساب لن يطاله فحسب.. وإنما سيطال من اختاره للمنصب.. نحتاج أن نجد من يحسم للحكومة اختياراتها.. ومن يحاسبها عليه.. نحتاج أن نجد من يسألها السؤال الشهير -بينما موسيقى البرنامج النحاسية تدوى فى الخلفية- جواب نهائى؟!