البحيرة.. رحلات غير شرعية خارج المياه الإقليمية والنتيجة «خطف وحبس» الصيادين
صيادون يتوضأون من البحيرة قبل الصيد
لم تعد هجرة الصيادين إلى السواحل الأجنبية مجرد مخالفة يرتكبها بعضهم لزيادة إنتاجهم من الأسماك، بل أصبحت مقصداً لكثير من صيادى محافظة البحيرة، إثر هروب الأسماك من شواطئ رشيد وإدكو والمعدية، بسبب التلوث الذى أصاب سواحل المحافظة، وأرجع الصيادون اضطرارهم لتخطى الحدود المصرية بحثاً عن الأسماك إلى قلة الأسماك الموجودة بسواحل البحر المتوسط، بسبب زيادة نسبة التلوث الناتج عن إلقاء المخلفات الزراعية والصناعية فى المياه الإقليمية بالبحر المتوسط، الأمر الذى يهدد دخل أكثر من 7 آلاف صياد بالمنطقة.
على الرغم من الصعوبات والمخاطر التى يواجهها الصيادون خلال رحلاتهم غير الشرعية خارج المياه الإقليمية، سواء الخطف من قبل جماعات متطرفة أو قراصنة، أو احتجاز وحبس من قبل السلطات التابعة للدول المجاورة، فإنهم مستمرون فى محاولات اختراق السواحل الأجنبية، بحثاً عن الرزق الوفير والمكاسب المالية الكثيرة، وباتت سواحل الجماهيرية الليبية أشهر المناطق التى يقصدها الصيادون المصريون، دون النظر إلى الوضع الأمنى المتوتر هناك أو التعرض للاحتجاز من قبل عصابات مسلحة طمعاً فى فدية من ذويهم، ورغم التحذيرات المستمرة من الحكومة المصرية، والغرامات والعقوبات التى تفرضها على المخالفين، فإنهم تجاهلوا تلك التحذيرات وهربوا إلى مصير مجهول فى رحلة البحث عن الرزق.
اختفاء الأسماك من سواحل «المتوسط» يشرد 7 آلاف صياد و1100 مركب لم تجد رزقها فى مياه مصر الإقليمية
عيد ظريف، المستشار الإعلامى لنقابة الصيادين بإدكو، أكد أن هناك عدة أسباب لهرب الصيادين إلى خارج الحدود المصرية بحثاً عن صيد وفير، أهمها هروب الأسماك إلى مياه البحر العميقة خارج الحدود المصرية، بسبب تلوث مياه سواحل البحر المتوسط المطلة على محافظة البحيرة، الناتج عن إلقاء المخلفات الصناعية والزراعية بالبحر، من قبل شركات «المصرية للغاز المسال، رشيد للبترول، البرلس للبترول، راكتا، أبوقير للأسمدة»، والمصنفة كأهم سبب من أسباب تلوث مياه البحر المتوسط، بالإضافة إلى صيد الزريعة فى بوغازى رشيد والمعدية، عن طريق المصارف الرابطة بين البحر وبحيرة إدكو، عقب تخصيص الحكومة المصرية مساحات مائية لصيد الزريعة ومنحهم تراخيص بذلك، وهو ما يدر لهم عائداً مادياً كبيراً بعد بيعها للمزارع السمكية، فيما اختفت سمكة «أم الخلول» التى اشتهرت بها مدينة إدكو، وكانت مصدر رزق لمئات الصيادين، وبسبب ندرتها وصل سعر الكيلو إلى مائة جنيه، وهو رقم كبير بالنسبة لسلعة كانت تباع بخمسة جنيهات للكيلو.
وأضاف أن هناك العشرات من مراكب صيد «الشنشولة، السردين» وهى مراكب غير مجهزة للصيد فى المياه العميقة، ولا تستطيع الإبحار فى ظروف الجو الصعبة للصيد فى عرض البحر، وأقصى عمق تستطيع الصيد فيه من 7 إلى 8 «جابة» نحو 10 أمتار، ونظراً لهروب الأسماك بسبب تلوث المياه الإقليمية، لم يجد ملاك المراكب سوى البحث عن سواحل أخرى لم يصبها التلوث بعد، بالإضافة إلى صيادى غزل الشعر الذين لم يجدوا رزقاً على السواحل المصرية، وهم أعداد كثيرة يمتهنون هذه المهنة منذ عشرات السنين قبل ظاهرة التلوث التى أصابت البحر، ويضطرون إلى السفر على مراكب الهجرة للعمل بالسواحل المطلة على دول أخرى مثل «ليبيا، اليونان، إيطاليا، تونس، الجزائر، تركيا» مع العلم أنهم يتعرضون دوماً للاحتجاز من قبل سلطات هذه الدول.
وأشار إلى أن هناك نحو 1100 مركب للصيد فى البحيرة، تتراوح قوتها ما بين «20» إلى «260» حصاناً وبأحجام مختلفة، وتنشط عملية الصيد فى شهرى «مايو، يونيو»، وبسبب انتشار الزريعة على السواحل القريبة، يضطر الصيادون إلى الدخول لعمق أكبر، ويواجهون مصاعب جمة فى الحصول على الأسماك، خاصة فى ظل ارتفاع تكلفة الصيد، سواء العمالة أو الوقود أو أدوات الصيد، وبالتالى فإن لجوء الصيادين إلى اختراق المياه الإقليمية للدول المجاورة سببه قلة الإنتاج السمكى والبحث عن لقمة العيش والأنواع المختلفة من الأسماك، لافتاً إلى أن مسافة 12 ميلاً بحرياً لا تكفى للصيد بداخلها، وهو ما يجبر الصيادين على الخروج من المياه الإقليمية، علماً بأن الدول المستقرة تشترط عند احتجاز الصيادين، دفع الغرامة المالية ثم يتم الإفراج عنهم، أما الدول التى تشهد صراعات داخلية، فدائماً ما تحتجز الصيادين لفترات طويلة، ولا يتم الإفراج عنهم، وفى بعض المناطق يتم احتجاز المركب والإفراج عن الصيادين فقط، الأمر الذى يكبد الصيادين خسائر فادحة بعد فقد مورد رزقهم الوحيد.
وقال أحمد السد، صياد، عضو جمعية الصيادين بالبحيرة: «الصياد مظلوم سواء داخل مصر أو خارجها.. الجميع متخيل إن الصيد هو استقلال المراكب الكبيرة المجهزة والإبحار فى عرض البحر لمدة يوم أو يومين والعودة بأسماك وفيرة تجلب دخلاً كبيراً للصيادين، ولكن الأمر عكس ذلك، فهناك فئة من الصيادين لا يعرفها الكثير، وهم صيادو «الجرف»، الذين يلقون شباكهم على سواحل البحر، ثم يقفون على الشواطئ ويسحبونها مليئة بالأسماك، وتقتصر تلك الطريقة من الصيد على ممارسة النشاط فى مساحة لا تتجاوز 1 كيلومتر، وبعد ارتفاع نسبة التلوث بالسواحل المطلة على محافظة البحيرة، لم تجد تلك الفئة من الصيادين سوى البحث عن شواطئ أخرى تجلب لهم الرزق، وإلا أصبحوا بلا عمل أو دخل، علماً بأنهم لا يعرفون سوى مهنة الصيد التى ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، ويلاقى صيادو الجرف صعوبات كثيرة للحصول على أسماك، فهو يضطر إلى النزول إلى شواطئ دول الجوار للصيد هناك وهو ما يعرضه إلى الاحتجاز أو الخطف مثلما حدث فى ليبيا منذ فترة قليلة».
وتابع أن الحكومة فتحت أبواب الاستثمار أمام شركات البترول منذ سنوات عديدة دون أن تعبأ بمصلحة الصياد الذى يوفر الثروة السمكية التى تساهم فى نهضة الاقتصاد، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تواصل سياسة الإهمال والتفريط فى سواحل الدولة بعد أن تركت شركات الأسمدة والورق المطلة على البحر المتوسط، تلقى بمخلفاتها داخل البحر دون قيود أو ضوابط، الأمر الذى أدى إلى هروب الأسماك بعيداً عن الشواطئ وفى الأعماق.
من جانبه، قال الدكتور محمود تركى، أستاذ بمعهد البحوث الزراعية، لـ«الوطن»، إن استمرار استنزاف المخزون السمكى فى مصر، يدفع الصيادين إلى الصيد خارج المياه الإقليمية والهرب إلى سواحل الدول الأخرى، خاصة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، ما يعرضهم لمخاطر الغرق والاحتجاز، مثلما حدث فى وقائع كثيرة من قبل، وأوضح أن الصيد أصبح محدوداً وإن كان ممنوعاً بعض الوقت، فى مياه البحر الأحمر، بسبب الشعاب المرجانية، وفى البحر المتوسط، لوجود عدد كبير من القرى السياحية المقامة على ساحله، ما يضطر الصيادين إلى ركوب البحر بحثاً عن أسماك فى المياه الإقليمية للدول الأخرى المجاورة خاصة ليبيا وتونس واليمن، لافتاً إلى أن ظاهرة استنزاف المخزون السمكى فى مياه البحر المتوسط، باتت مطردة بشكل كبير، مع تزايد واستمرار ظاهرة إلقاء مخلفات الصرف الصحى فى مياهه من الدول المطلة عليه، كما أن هناك ضغطاً كبيراً على المخزون السمكى، لاسيما زريعة الأسماك المختلفة خاصة البورى والبلطى والطوبار من مصادرها الطبيعية.
وأشار إلى أن نهر النيل تأثر أيضاً بانخفاض المخزون السمكى، نتيجة لضعف وانقطاع الطمى، علاوة على زيادة أعداد مراكب الصيد العاملة به، فى ظل التكنولوجيا الحديثة، ما أدى إلى زيادة الضغط على الثروة السمكية، ناهيك عن الممارسات العديدة التى يتم ارتكابها وتؤثر بالسلب على المخزون السمكى.