أمس الأحد، انطلقت فى مدينة دبى فعاليات القمة العالمية للحكومات برئاسة الشيخ محمد بن راشد، رئيس مجلس الوزراء ونائب رئيس الإمارات، تحت شعار «استئناف الحضارة»، وبمشاركة أكثر من 4000 شخصية إقليمية وعالمية من 139 دولة. الجميع يتحدث عن استشراف المستقبل وكيفية مواجهة التحديات واستباق حدوثها لتحقيق التنمية المستدامة.
محمد بن راشد أعلن «استئناف الحضارة» شعاراً يستند إلى ماضى المنطقة فى الشرق الأوسط عامة وفى الدول العربية خاصة. هو يعلم حجم الإرث فى المنطقة التى كانت معبراً لحضارة العالم القديم لأوروبا. وكيف كنا صانعين لحضارة سادت الفكر حينما حوت الآخر وأعلت قيم المواطنة وفتحت الباب للترجمة والفهم والاستنباط والقياس والتحليل واختيار الكفاءة لا أهل الثقة. وأن ما نمتلكه من موروث حضارى وإمكانيات مادية وبشرية قادر على استئناف الحضارة لو امتلكنا رؤية مخلصة. ولكن هل يمتلك الواقع فى بلادنا العربية الوعى باستئناف الحضارة؟
رصد الواقع العربى مؤلم. فنحن نمثل يا سادة من البشرية 350 مليون فرد تمثل البطالة بيننا نحو 11.5% من هذا العدد. فى الوقت الذى نستورد فيه الأيدى العاملة الآسيوية والأفريقية دون إصرار على تدريب وتخريج ما نحتاجه لسوق العمل. ونحن العائشون على أرض المعادن والطاقة التى نسينا على مدار السنين استغلالها فى تحقيق التنمية المستدامة واستعضنا عنها بثقافة الاستهلاك بشراسة عبر استيراد كل ما هو أحدث وأعلى وأكبر دون أن يكون الناتج من بلادنا، حتى مظاهر تديننا كسجادة الصلاة والسبحة والجلباب، أحضرناها من الصين! والـ«ماك» المقبل لنا من أمريكا حتى برامج التليفزيون توقف فيها فكرنا عن التجديد وإبداع ما يناسبنا فاستوردنا ودفعنا المليارات فى مسلسلات الأتراك والهنود وبرامج الـ«جود تالنت» و«ستار أكاديمى»!! فبات ثلث أمة «اقرأ» (نحو 96 مليوناً) لا يقرأ ولا يكتب ولا يرتقى بأخلاقه ولا بثقافة إنتاجه ولا بتجديد فكره على أىّ من المستويات بما فيها الدينى. نعم ابتُلينا بأناس منا على كل المستويات فى مجتمعاتنا لم يعلموا لكلمة الإخلاص معنى فصار حالنا لما وصلنا له بأيدينا قبل المتآمرين علينا وهم كُثر.
وعودة للقمة العالمية للحكومات والهدف منها كما جاء على لسان وزير شئون مجلس الوزراء والمستقبل محمد عبدالله القرقاوى بأنه يتمثل فى «استشراف المستقبل، ومحاولة وضع سيناريوهات علمية حول سلوك المجتمعات والحكومات فى المستقبل، وكيفية تعاطيها مع التحولات الكبرى التى ستحدثها الثورات الصناعية والرقمية المرتقبة». دعونا نَقُل إن المستقبل هو ابن اللحظة الراهنة وكلنا مشاركون فى صنعه فعلى أى حال نريده وفقاً لواقع متعب ومؤرق؟ أنريد حقاً استئناف الحضارة التى صغناها فى ما سبق من أيام مضت؟ أنريد أن نترك للمستقبل بصمات تذكر بشعوب وحكومات عاشت لتصنع لمستقبل أمتها ما يمنحها الرخاء أم الشقاء؟
دعونى أتحدث عن بلادى، فحكومتها أحق أن تدرك عمق حضارتنا الضاربة فى جذور التاريخ بقوة، ولذا فحديثى لرئيس بلادى الذى سيصدّق على تعديل وزارى فى غضون أيام. نحتاج حكومة تدرك طموحات الشعب فتخطط للمستقبل بقرارات لا علاقة لها بيد مرتعشة أو جاهلة أو فاسدة. نحتاج لرقابة داخلية فى المؤسسات لترسخ لمبدأ المساءلة الفورية فتحارب الفساد كظاهرة وليس فقط إلقاء القبض على الفاسدين هنا أو هناك. نحتاج لرؤية وطن فى إعلام وتعليم وثقافة وفنون ترتقى بالخلق المصرى وتنتج لنا مواطناً يعرف قيم الإنتاج وثقافته وكيفية الانتماء لوطن. نحتاج لحكومة تدرك معنى المسئولية. نحتاج لفتح نوافذ الفكر والإبداع والسؤال لتجديد العقل المصرى بمنطق «اللى يسأل ما يتوهش» من دون الاستسلام لصكوك الجهالة باسم دين أسأنا له أكثر ممن حاربوه. نحتاج لإرادة إدارة فى كل المجالات لاستئناف حضارة كنا مَن أهداها للعالم حينما سادت قيم المصريين القدماء.