كشف الدكتور أحمد كمال أبوالمجد فى الذكرى السادسة لإخراج مبارك من الحكم أن الأخير اتصل به يوم 5 فبراير 2011 وسأله: «تفتكر الأولاد اللى فى التحرير بيفهموا؟»، وأنه أجابه: «يفهمون أفضل منى ومنك.. معظمهم تحصّل على تعليم جيد ومتصل بعصره». سؤال مبارك يعكس «أزمة حاكم»، وإجابة «أبوالمجد» تعكس «أزمة نخبة». «الشعب لا يفهم» ليست قناعة لدى «مبارك» وفقط، بل هى - للإنصاف - قناعة كل من حكم مصر منذ عام 1952 وحتى الآن. قد يقول قائل كيف وجمال عبدالناصر رحمه الله كان يصف الشعب بـ«المعلم»، والسادات كان يصفه بـ«البطل». ومنذ قيام ثورة يناير كان وصف «العظيم» هو الدائر فى بيانات المجلس العسكرى، وكذلك على ألسنة كل من حكم المصريين بعدها. واقع الحال أن أغلب حكام مصر طيلة هذه الفترة لم يختلفوا عن مبارك فى الاستخفاف بالشعب، واتهامه بالجهل وعدم القدرة على الفهم. «مبارك» ببساطة فضح ما يؤمن به الجميع. ثمة معيار رئيسى يحدد قناعة أى حاكم بقدرة شعبه على الفهم أو التفكير يتمثل فى إتاحة الفرصة أمام المواطنين للمشاركة فى صناعة القرار، ومنحهم حرية الاختيار، أو فى أقل تقدير اتخاذ القرارات التى تعبر عن إرادته.
لست أدرى ماذا كان يقصد «مبارك» بسؤاله بالضبط، وما هذا الذى كان يظن أن الشعب لا يفهمه. هل يقصد عدم فهم النتائج التى تترتب على الإطاحة به، أم عدم وعيه بالأطراف التى تتحرك من أجل استغلال ثورته وركوبها، وكذا الأطراف التى تركت للشعب الساحة خالية كى يتحرك؟!. ما أعلمه جيداً أن «مبارك» شأنه شأن كل الحكام الذى تبوأوا عرش المحروسة لديه قناعة إجمالية بعدم إدراك الشعب لمصلحته، ويصح أيضاً أن نقول إن «مبارك» هو نفسه الذى لم يكن يفهم أن معادلة الفساد والاستبداد، هى المفسر الأول لتحرك المصريين ضده فى يناير 2011، وربما لم يفهم أيضاً أن أخطاء الاختيار التى وقع فيها الشعب بعد الثورة بدت طبيعية، بل ومنطقية أيضاً، بما فى ذلك اختيار الإخوان للحكم، فقد كان من الطبيعى والمنطقى للغاية أن يختار الشعب الخصم الظاهر لـ«مبارك» كبديل له. ومخطئ من يفسر صبر الشعب على عدم تحقيق أهداف ثورة يناير حتى الآن على أنه يعكس إحساساً تأكد لديه بفشل الثورة، إنه يعكس إحساساً بالثقة فى القدرة على التغيير فى اللحظة التى سيقرر فيها ذلك.
أما رد الدكتور أحمد كمال أبوالمجد فيعكس جانباً من أزمة النخبة المثقفة فى مصر. فقد احتج «أبوالمجد» فى رده على مبارك بـ«التعليم»، وذكر أن الجيل الجديد من الشباب «تحصّل على تعليم جيد»!. أى تعليم جيد يقصد، لست أدرى؟!. واضح أن الرجل لم يكن يدرك وهو يرد هذا الرد أنه ينصف «مبارك»، فهذا الشباب تخرج فى مدارسه!. والتجربة التى عشناها تؤكد أن التعليم فى عصر «مبارك» تراجع كثيراً، وفقد قيمته لصالح الشهادة التى لم تعد تسمن ولا تغنى من جوع!.