فى هذا المقال أجتهد فى تقديم قراءة هادئة مختلفة لموقف هيئة كبار العلماء بالأزهر بعد الضجة التى أُثيرت فى قضية الطلاق الشفوى.
1- هيئة كبار العلماء أُنشئت عام 1911م، وضمت أئمة عظاماً أمثال: شلتوت والخضر حسين والمراغى ومخلوف والدجوى والمدنى والمرصفى والنجار ودراز، وانتهى أمرها إلى أئمة كبار الآن، لكن ضعف المشيخة قلل من دورها، وإذا حُق للمجتمع أن يفخر بموقفها من الطلاق الشفوى، ووصفها بأنها لا تخشى أحداً فى الحق، فإنه ينبغى أن نشيد بدورها حين رفضت جماعة الإخوان، واعتبرتهم خوارج العصر، وأصدرت بيانات لإدانتهم فى الأربعينات وما بعدها.
2- أتصور عدم وجود أى صدام بين الرئاسة والهيئة، وكل ما فى الأمر أن الرئيس بعد أن انتقد شيخ الأزهر انتقاداً مؤلماً أسند إليه مهمة الاضطلاع بدوره فى بيان الموقف من الطلاق الشفوى، وبالفعل تمت الاستجابة لدعوة الرئيس، وأوضحت الهيئة الحكم الشرعى بعد نقاش علمى معتبر.
3- الرئيس عرض فكرة دعا لنقاشها ولم يتخذ قراراً، كما أن بيان الهيئة أعطى للرئيس الحق فى سن ما يراه من تشريعات تعاقب الممتنع عن التوثيق.
4- لم يكن غضب الرئاسة أو المصريين من المشيخة سببه فتاوى نطقت بها المشيخة، بل سببه أن المشيخة لا تنطق أصلاً، وانحسر على يديها المد الأزهرى فتضخمت البؤر الفكرية المتطرفة.
5- المدقق يلاحظ أن الهيئة حمَّلت المشيخة جزءاً من المسئولية، حيت ذكرت فى البيان أن من أسباب المشكلة «عدم وجود تعليم جاد، ودعوة دينية جادة، وتوعية بفقه الأسرة، وتوجيه الناس» وكل ذلك من مهام الأزهر.
6- كعادتها غابت وزارة الأوقاف، وكان عليها أن تخصص الخطبة الثانية للحديث عن موقف الشرع من الطلاق الشفوى.
7- إن محمد عبدالسلام وتابعيه حين ابتعدوا عن هيئة كبار العلماء أحس الناس بهيبة الأزهر، وظلت الهيئة المكان الوحيد بالأزهر الذى ليس لـ«عبدالسلام» فيه يد، بل إنها رفضت ترشيحات «عبدالسلام» حين حاول اختراقها بترشيح رجاله الخاضعين له لعضويتها.
8- ما زالت المشيخة تأتى متأخرة وبطيئة، وكان عليها أن تأخذ بزمام المبادرة فى القضايا المختلفة قبل أن يطلبها الرئيس، فالأصل فى المشيخة أن تسبق بالمبادرات والأطروحات لا أن تستجديها الرئاسة لتتحرك.
9- صفعت الهيئة «عبدالسلام» والخاضعين له صفعة قوية، حيث قام المرصد الإعلامى التابع له بعرض تقرير على الهيئة لإدانة المقالات التى تُكتب فى نقد المشيخة، فإذا بالهيئة ترفض هذا الطلب رفضاً قاطعاً، وتستهجنه وتطالب بسحبه، وعدم عرضه مرة أخرى، ووصف بعضهم هذه المقالات بالغثاء، وهذا الذى حدث نشرته المشيخة ظناً منها أن هذا الموقف فى صالحها، مع أنه ضدها، وهكذا رفضت الهيئة إدانة مقالات يعلم أكثرُ علماء الهيئة أن ما فيها صحيح، وأن الهيئة ميزت بين الهجوم على الأزهر (وهو مرفوض)، وبين انتقاد إدارته الفاشلة (وهو مطلوب).
لقد أراد «عبدالسلام» ومرصده الإعلامى أن يورط «كبار العلماء» فى الدفاع عن ذراعه اليمنى د. عبدالفتاح العوارى، سارق بحث «البوطى»، وفى الدفاع عن المحسوبية فى وظائف المشيخة، وفى الدفاع عن سيطرته على المشيخة، وفى الدفاع عن حالة الضعف والجمود وعدم اتخاذ خطوات مثمرة فى تجديد الخطاب الدينى، وفى الدفاع عن كتاب يضعه فوق مكتبه يمجد مرجعية الإخوان، سيد قطب، اسمه: (التراث والتجديد مناقشات وردود)، لكن الهيئة صفعته ورفضت إدانة كل ذلك، وأما حكاية وصف (بعض) أعضاء الهيئة للمقالات التى تهاجم الأزهر بأنها (غثاء) فهو وصف صحيح جداً، فمهاجمة الأزهر غثاء فعلاً، لكننا نتحدث عن مواجهة فساد المشيخة وأخونتها وسلفنتها، وكل ذلك مروءة وشجاعة وضرورة وواجب الوقت.