هل تملك مصر حلاً للقضية الفلسطينية؟.. تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى يهود أمريكا قائلاً: «لنوقف الصراع الإسرائيلى الفلسطينى الآن». استوقفنى تعبير «الصراع الإسرائيلى الفلسطينى»، وهو التعبير الذى أصبح بديلاً للتعبير الذى اشتهر خلال حقبتى الستينات والسبعينات «الصراع العربى الإسرائيلى». الواقع يقول إن البعد العربى فى هذا الصراع آخذ فى الاختفاء منذ عقد الثمانينات وما تلاه. وقد بلغ هذا التحول ذروته خلال السنوات الأخيرة بعد أن أصبح لدى كل دولة عربية من دول المواجهة، وكذا من غير دول المواجهة، ما يكفيها من المشكلات. قد يقول قائل إن مجرد حضور مصر فى الصورة، والاجتماعات الخاصة أو المعلنة لإيجاد حل لهذه القضية يعكس بعداً قومياً فى التعاطى معها، بحكم ما تتمتع به من ثقل ووزن على مستوى الإقليم العربى. هذا الكلام صحيح، وليس بمقدور أحد أن يشكك فيه، لكن ثمة زاوية أخرى قد يقرأ بها البعض هذا الحضور المصرى فى الصراع الذى اصطلح على تسميته مؤخراً بـ«الصراع الإسرائيلى الفلسطينى».
الزاوية الأخرى يلخصها سؤال: هل تملك مصر حلاً لهذه القضية التى مثَّلت ركناً ركيناً من أركان الحياة العربية طيلة ما يقرب من قرن من الزمان؟. منذ بدايات حكمه لم تغب قضية الصراع الإسرائيلى الفلسطينى عن خطابات الرئيس «السيسى»، ففى خطاب له أثناء افتتاح أحد المشروعات التنموية بمحافظة أسيوط (مايو 2016) قال: «أنا مابعرفش أحور أو أتآمر، حل القضية الفلسطينية وإقامة دولتها السبيل الوحيد لتحقيق سلام أكثر دفئاً بين مصر وإسرائيل». وطالب إسرائيل بإذاعة كلامه هذا حتى يسمعه الشعب هناك. وفى خطابه أمام الأمم المتحدة (سبتمبر 2016)، خرج الرئيس عن النص ووجه كلامه للشعب والقيادات فى إسرائيل، قائلاً: «أطالبهم بحل النزاع وإحلال عملية السلام وأمامنا فرصة تاريخية لذلك». القضية الفلسطينية لم تغب عن خطابات الرئيس، وظهرت فى أكثر من مناسبة، بما فى ذلك كلمته فى الأمم المتحدة حيث تحدث عن «فرصة تاريخية» لتحقيق السلام. لست أدرى على وجه التحديد مدلول هذه العبارة، لكن عندما يقول رئيس دولة ذلك فمؤكد أن لديه تصوراً محدداً عن طبيعة هذه الفرصة، وكيف إن استغلالها يمكن أن يؤدى إلى حل نهائى لمشكلة يصح أن نصفها بـ«المستعصية».
لا أستطيع أن أحدد كنه الحل الذى تملكه مصر لهذه المشكلة المستعصية، خصوصاً إذا أخذنا فى الاعتبار التعنت الإسرائيلى الواضح فى مسألة حل الدولتين. التصور القديم للدولة الفلسطينية ارتبط بكل من الضفة الغربية وقطاع غزة. وواقع الحال يقول إن عمليات تهويد الضفة الغربية تتمدد، ليس كل يوم، بل كل ساعة، وعدد اليهود داخل المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة يقترب من رقم الـ400 ألف. والنظرية الأمنية الإسرائيلية تنص على أنه لا توجد دولة غربى نهر الأردن غير إسرائيل!. مركز الدولة الفلسطينية -إذا صح حل الدولتين- واقعياً وعملياً سيكون فى غزة، ومن المعلوم أن غزة تضيق بسكانها الذين يصل تعدادهم إلى 2 مليون نسمة يعيشون على 360 كيلومتراً مربعاً.. فأين سيذهب هؤلاء؟!.