من «الفراعنة» إلى اليوم.. القاهرة المرجع الأول لـ«الفلسطينيين»
الاستيطان الإسرائيلى يهدد فرص التوصل إلى اتفاق للسلام
«القاهرة مرجعنا».. جملة دائماً ما تتردد على ألسنة العديد من مسئولى حركة «فتح» الفلسطينية، أو «حماس» عند الحديث عن مصالحة فلسطينية فلسطينية، أو مفاوضات مع المحتل الإسرائيلى لتهدئة الأوضاع، سواء كانت لاستعادة الأراضى الفلسطينية، أو لوقف نزيف دم فتحه الاحتلال على قطاع غزة الذى تخرج طائرات الاحتلال الإسرائيلى عليه فى غارات، فضلاً عن قصف المدفعية وأحياناً اجتياح برى، إنه السيناريو الذى مرت به غزة فى الحروب الثلاث الماضية، لتظهر «القاهرة» المرجع الأول والأكبر للقضية الفلسطينية لاعبة دور الوسيط -الذى يعد شريكاً أيضاً- بين فلسطين ودولة الاحتلال الإسرائيلى.
«أبوشنب»: الاهتمام المصرى بفلسطين منذ عهد الفراعنة.. والحضارتان الأقدم بالمنطقة.. الماضى والحاضر والمستقبل بيننا واحد
ويقول الدكتور حازم أبوشنب، السفير الفلسطينى السابق، والقيادى بحركة «فتح»، إن «فلسطين قلب الاهتمام المصرى، ومصر أهم سند لفلسطين، لم يكن أبداً على مر التاريخ، أى جهد أو نشاط لصالح القضية الفلسطينية، على المستوى الدولى، أو المستوى الإقليمى، ولم يكن لمصر دور مهم فيه، والشعب الفلسطينى كله يرى أن مصر هى السند الحقيقى للفلسطينيين، وكل تفاصيل الشأن المصرى هى من اهتمام الشعب والقيادة الفلسطينية، مثلاً بينما الطيران والبحرية والمدفعية الإسرائيلية تقصف المدن والبيوت الفلسطينية، ظل الفلسطينيون يتساءلون فى أول اهتماماتهم عن الوضع لدى الأشقاء المصريين عندما يسمعون أن حادثاً جرى هنا أو هناك فى مصر».
وتابع «أبوشنب» فى تصريحات لـ«الوطن»، أنه «لا يمكن الفصل بين الشعبين الفلسطينى والمصرى مطلقاً، تاريخ واحد وحاضر واحد، ومستقبل واحد، حتى فى التاريخ كما هو اليوم، الأمن القومى المصرى، والأمن القومى الفلسطينى، يتشاركان ويتخوفان فى كل شىء»، وتابع: «الدور المصرى فى التاريخ الحديث يعتبر أن الاهتمام المصرى بفلسطين بدأ مع عبدالناصر، وكل الرؤساء الذين جاءوا بعده، ولكن من يقرأ التاريخ جيداً يعرف أن الاهتمام المصرى بفلسطين، وكذلك الاهتمام الفلسطينى بمصر، ممتد منذ مصر القديمة فى زمن الفراعنة، ولا ننسى أن أقدم حضارتين فى المنطقة هما الحضارة المصرية والحضارة الفلسطينية، قبل أن ننشغل بالتاريخ الحديث والاحتلال الإسرائيلى لفلسطين».
وعلى الجانب الثقافى، أضاف «أبوشنب»: «الفنانون المصريون والعرب، فى سنوات العشرينات والثلاثينات، كانوا يذهبون لإقامة الليالى الفنية فى فلسطين، التى كانت منارة فنية وثقافية فى الشرق الأوسط فى ذلك الوقت، وحين بدأ الاحتلال الإسرائيلى، هاجر كثير من الفنانين والمثقفين إلى مصر، ومؤرخو الحركة الثقافية والفنية يعرفون ذلك جيداً، فريد الأطرش كان يغنى فى فلسطين، والفنانة أم كلثوم، والفنان محمد عبدالمطلب، والفنان محمد عبدالوهاب، بالإضافة إلى الفنانين فى مجال التمثيل الذين ذهبوا إلى هناك، وفى المقابل جاء الأخوان لاما الفلسطينيان ليساهما فى إنشاء أول فيلم عربى مصرى. أى أحد يزايد على العلاقة الفلسطينية المصرية، خاسر ولا يعرف الحقائق».
وتابع: «على المستوى الأمنى، فى زمن الفراعنة كان هنالك وفود أمنية عسكرية بالتبادل بين مصر وفلسطين، وحدث قتال مشترك ضد الهكسوس فى فلسطين، حتى سيدنا موسى عليه السلام حين هاجر، هاجر من مصر إلى فلسطين، كان يسعى للوصول إلى فلسطين وتوفى فى سيناء، فالدم واحد، والثقافة واحدة، والماضى واحد والمستقبل كذلك إلى يوم الدين.. واللى مش عاجبه يشرب من البحر أما النيل فللطيبين».
وقال الدكتور منصور عبدالوهاب، أستاذ اللغة العبرية بجامعة عين شمس، «إنه منذ عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، ما يتم من أجل القضية الفلسطينية يكون عبر القاهرة، وحتى الذى كان يتم فى واشنطن، كان عبر القاهرة»، مشيراً إلى اتفاق تأسيس السلطة الفلسطينية، وأيضاً مباحثات «كامب ديفيد» الثانية التى عُقدت فى طابا. وأضاف «عبدالوهاب» لـ«الوطن»، أن كل مؤتمرات المصالحة الفلسطينية بين حركتى «فتح» و«حماس» عُقدت فى القاهرة كشريك وليست وسيطاً، وذلك لأن «القضية الفلسطينية أحد رواسخ الأمن القومى المصرى، وبالتالى مصر حريصة على حل القضية وتخفيف العبء على الشعب الفلسطينى الشقيق، فتمثلت كل المطالبات المصرية فى السابق فى تخفيف العبء عن طريق حل أزمة المستوطنات ووقف بنائها»، لافتاً إلى أنه فى الفترة الأخيرة احتضنت القاهرة حركة «حماس» واستقبلت وفداً منها.
وأضاف «عبدالوهاب» أن اشتراط «حماس» -مؤخراً- أن تكون مصر وسيطاً فى صفقة تبادل الأسرى بين الحركة والاحتلال الإسرائيلى، لضمان التزام إسرائيل أمام مصر وتنفيذ الذى يتم الاتفاق عليه، نظراً لثقل مصر السياسى الذى يمثل حماية للفلسطينيين، مضيفاً: «مصر شريك نزيه، ليس له أغراض أخرى من تسوية القضية الفلسطينية، فمصر دائماً تحتضن أى مباحثات للمصالحة، ونادراً ما تتم هذه المؤتمرات فى قطر وتركيا». واستطرد: «ثقل مصر فى أى اتفاق مع إسرائيل سيحتم على إسرائيل تنفيذ بنود أى اتفاق لأنه لم يحدث من قبل ألا تلتزم إسرائيل فى أى اتفاق أمام القاهرة».
وأشار «عبدالوهاب»، الذى شغل منصب مترجم الرئاسة لعشر سنوات، إلى أن التقارب المصرى الحمساوى الأخير الهدف منه إتمام المصالحة والتنسيق لذلك، وتسليم ما لديها من إرهابيين، ووقف أى أعمال تتم عبر الحدود. وتابع: «منذ عهد الرئيس جمال عبدالناصر أيضاً وأنور السادات، وعلى مائدة المباحثات القضية الفلسطينية، و«مبارك» فى كل مباحثاته، وعلى الرغم من الوضع الداخلى المصرى الحالى، إلا أن هناك اهتماماً من الرئيس عبدالفتاح السيسى»، مشيراً إلى دعوة «السيسى» فى أسيوط لحل الأزمة الفلسطينية، التى قوبلت بالترحيب الكبير من قبل حركتى «فتح» و«حماس» والفصائل الفلسطينية الأخرى.