كان لا بد من التمهل، حتى ينخرط الوزراء الجدد ضمن مجلسهم، ويستقر المحافظون بالدواوين، قبل تناول التعديل الحكومى الأخير.. «التسرع» منذ انتكاسة «يناير 2011» آفة المحروسة، و«الانتقاد» توجه عام، و«التغييرات» خفّضت متوسط عمر الحكومات لأقل من عشرة أشهر.. لا توجد معايير للاختيار، رغم أن وجودها يمثل حجر الزاوية فى نجاح المسئولين، وضمان الاستقرار الحكومى، وغيابها يثير إشكاليات عديدة، نتيجة لتزايد الاهتمام بالشأن العام، وتباين وجهات النظر، والدور الذى تلعبه الميديا بارتباطاتها وتوجهاتها السياسية المتعارضة، مما يفرض صعوبات فى الاختيار، لذلك نجد نماذج تتسبب فى كوارث، وأخرى تؤثر الاعتذار، تجنباً للتعرض لتبعات الانقسام، وحملات التشويه المتعمد.
التشكيل فى ضوء التعديل الأخير يثير بعض الملاحظات:
■ التجديد لبعض الوزراء أثار الرفض؛ كوارث وزيرى الصحة والسياحة لا يتسع المجال لحصرها.. ونبيلة مكرم، وزيرة الهجرة والمصريين بالخارج، قوبلت بالتشكيك فى جدوى وزارتها، وإمكانية توفير ميزانيتها (28.931 مليون جنيه، منها 12.6 مليون لتأسيس مبنى، و12 مليوناً للتوعية بمخاطر الهجرة غير الشرعية!!) تفعيل دور الخارجية بسفاراتها وقنصلياتها يؤدى مهمتها بصورة أكثر كفاءة وتنظيماً.. النائب شريف فخرى انتقد هجوم الوزيرة على الأزهر، ومشاكلها مع نوادى الجاليات، وعدم إحاطتها للبرلمان بتوصيات مؤتمر المصريين بالخارج، ووعودها -غير الدستورية- بالإعفاء الجمركى لسيارات المهاجرين، وعدم وجود خطط للاستفادة من علماء مصر بالخارج.
■ وزارة التموين شهدت فى عهد اللواء مصيلحى أزمات عديدة، عجز عن مواجهتها، رغم أنه كان رئيساً ناجحاً لهيئة الإمداد والتموين، وجهاز الخدمات العامة، لكن نجاحه كان نتاجاً لمؤسسة قوية، ومنظومة متكاملة، وبيئة منضبطة.. رحل الرجل، وتسبب سوء الاختيار فى نهاية حزينة لخدمته الوطنية الطويلة المشرفة.. دكتور على مصيلحى يمتلك الرؤية والقدرة على التطوير اعتماداً على المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، الطفرة التى أحدثها بهيئة البريد 2002/2005 تؤكد ذلك.. وتوليه منصب وزير التضامن الاجتماعى 2005/2011 عندما كانت تضم قطاع التموين أكسبه خبرة تساعد فى وضع خطة قومية لتطوير شبكات الأمان، وترشيد الدعم، وتوفير السلع الضرورية، وتصحيح البطاقات التموينية.
■ تخصص د. هشام الشريف مطلوب لدولة تعانى العشوائية، والافتقاد للآليات.. دكتوراه نظم دعم القرار من كمبريدج.. خلال رئاسته لمركز معلومات مجلس الوزراء أنشأ مراكز معلومات وتدريب بالمحافظات، وأصدر كتاب «وصف مصر بالمعلومات»، ثم عمل مستشاراً لمحلب، رئيس الحكومة 2014.. ضخامة عدد الضحايا يفرض الاستفادة من خبرته فى إنشاء وحدات لإدارة الأزمات والكوارث الطبيعية بالمحافظات.
■ وزارة الاستثمار مسئولة عن جلب الاستثمارات، لكن الاستثمارات نتاج لبيئة تشريعية تجتذب وتحمى.. وزارة التعاون الدولى مسئولة عن إبرام اتفاقيات القروض والمنح لتمويل المشروعات.. إجمالى الدين الخارجى قرابة 60 مليار دولار، أعباؤه السنوية تتجاوز 5.2 مليار، إضافة لـ2.285 تريليون جنيه دين محلى.. دمج الوزارتين قرار صائب، وتعيين د. سحر نصر اختيار موفق، شريطة التوقف عن تحميلنا المزيد من الديون والأعباء، وتوظيف خبرتها للإصلاح الاقتصادى والترويج للمنح غير المشروطة، والتنسيق مع البرلمان والعدل لتحسين المناخ الاستثمارى، وزيادة قدرته على الجذب.
■ د. جلال السعيد وفق كوزير للنقل بحكومة الجنزورى ديسمبر 2011/أغسطس 2012، فأعاده شريف إسماعيل، لكن عدم وجود رؤية قومية للدولة تلزم بها الوزراء كل فى مجال اختصاصه، أعطى له حرية فوضوية سمحت بإلغاء محكمة وأكاديمية النقل.. قرار غريب أهدر المال العام، وأجهض نقلة نوعية على مستوى الإدارة والمهنية بالوزارة، ناهيك عن عدم انتهائه من المشروع القومى للطرق. د. هشام عرفات مطالب باستكماله، وإعادة هيكلة وتطوير السكة الحديد، لكنه لن يصيب من النجاح ما يفوق سلفه، ما لم يلتزم بأهداف خطة عامة تنبثق من رؤية استراتيجية للدولة، يتم تقييم نجاحه من عدمه بمدى التزامه بالمعدلات الزمنية لتنفيذها، وتقليل الهدر فى الموارد.
■ أعضاء البرلمان انتقدوا اختيار د. عبدالمنعم البنا وزيراً للزراعة.. الوزير السابق صلاح هلال مسجون مع بعض معاونيه بتهمة الفساد، تعرّض لنفس المصير 13 من مسئولى هيئة التعمير والتنمية الزراعية، ورئيس مجلس إدارة الشركة المصرية للتنمية الزراعية والريفية التابعة لبنك التنمية والائتمان.. ملفات الفساد تُفتح تباعاً، وتطهير الوزارة يتطلب وزيراً نظيف اليد، لا يحمل ديوناً لأحد، لم يزامل فاسداً، ولا يخشى نظرة شك تضعف مواجهته، الوزير الجديد يلاحقه 18 بلاغاً، تتعلق بالاستيلاء على المال العام والتستر على الفساد، ما كان يفرض استبعاده، حتى لو تم حفظها.
■ التعليم عانى من الهلالى الشربينى، لكن مناورة «البوكليت»، كادت تبقى عليه.. مؤهلات د. طارق شوقى، أمين عام المجالس التخصصية برئاسة الجمهورية، ورئيس المجلس التخصصى للتعليم والبحث العلمى، فرضته كمرشح، إلا أن نجاحه يظل رهناً بقدرته على إصلاح كافة عناصر العملية التعليمية فى آن واحد «المناهج، المعلم، المدارس»، ومواجهة حرب متوقعة من بيروقراطية الوزارة، ومافيا الدروس الخصوصية، وأصحاب المراكز التعليمية والمطابع، والمدارس الخاصة، التى بدأت باتهامه بمعاداة مجانية التعليم، فى مجتمع تنفق فيه الأسر المصرية قرابة الـ30 مليار جنيه على الدروس الخصوصية!!.
■ د. خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى، اقتصرت خبرته الإدارية على منصب نائب رئيس جامعة عين شمس، وأمانة بعض اللجان بالمجلس الأعلى للجامعات، لكن إنجازه المباشر إنشاء عيادات بالكلية تستقبل 200 مريض يومياً، وتقدم خدماتها بالمجان.
■ رد فعل مغادرة د. أشرف العربى لوزارة التخطيط نموذج لتأرجح المواقف، تصريحاته المنفلتة تسببت من قبل فى إحدى نوبات جنون الدولار، وتبنيه لقانون الخدمة المدنية أثار عليه السخط، ودوره فى وضع خطة مصر للتنمية 2030 أدخله دائرة الترشيح لمنصب نائب رئيس الوزراء تارة، ورئيس الوزراء أخرى.. خروجه أثار الغضب بمجلس النواب، وتساؤلات العامة، عما إذا كان تخلصاً منه كمنافس لشريف إسماعيل!!.
■ وبالنسبة للمحافظين فإن د. محمد سلطان نُقل من البحيرة إلى الإسكندرية.. محمود عشماوى عمل نائباً لمحافظ الجيزة 2011، ثم محافظاً للوادى الجديد 2014، ونُقل مؤخراً كمحافظ للدقهلية!!، أكبر الأخطاء أن يُنقل المسئول بعد أن تعرّف على احتياجات محافظته لمحافظة جديدة يبدأ فيها من الصفر، من نجح بمحافظته لا بد أن يُمنح فرصة للاستكمال.. نادية عبده هى الأوفر حظاً، عُينت محافظاً للبحيرة التى خدمت كنائب محافظ بها.. كل الظروف مهيأة لنجاحها.
أخيراً.. كلمة للبرلمان، الحكومة لم تبلغكم باتفاقات ترسيم الحدود، ولا بمبررات عجز الموازنة، أو اتفاق قرض الصندوق، أو طرح السندات الدولارية ببورصة «أيرلندا».. وافقتم على الوزراء الجدد مجتمعين، رغم وجود توجه قوى لديكم ضد بعضهم، فمتى تمارسون الدور الرقابى الذى نأمله؟!.