انتظر الجميع، أو على الأقل من تابعوا بدقة ما طرح على الشاشات، بشأن الاتهامات الموجهة إلى السيد وزير الزراعة، التى تم عرضها بمستندات موثقة فى أكثر من برنامج كان الأبرز منها، أكثر من حلقة للزميل وائل الإبراشى «العاشرة مساءً».. أقول انتظر الناس أن تملك الحكومة «شجاعة المراجعة»، أو على الأقل «التريث»، وهى تضع على رأس وزارة الزراعة رجلاً تلاحقه اتهامات «موثقة» بالاستيلاء على ٢٥ فداناً من أراضى مشروع الخريجين، طبعاً ومعه آخرون، اشترى الفدان بخمسين جنيهاً وباعه بثروة.. اشترى خمسة وعشرين فداناً مستصلحة وجاهزة للزراعة ومصروفاً عليها من فلوس الغلابة، وهو مسئول فى وزارة الزراعة بـ١٢٥٠ جنيهاً.. وهناك قرار جمهورى يجرم تعامل الموظف العام، بيعاً أو شراءً، مع جهة عمله.. القرار ١٤٣ لسنة ٨١، كأنه يأكل أموال يتامى بالظبط.. تصوروا لو أن هذه الأفدنة ذهبت إلى مستحقيها، كم مستقبلاً كانت سوف تنتشله من الضياع، رجل يمنح نفسه مكافآت بمئات الألوف من الجنيهات، ويتقاضى من ٣٢ مركزاً تابعاً للوزارة مكافآت، فى استمارة واحدة، من مركز واحد، عن شهر واحد، تقاضى مائة ألف جنيه! ما العمل العبقرى لموظف عام، يجعله مستحقاً مثل هذا المبلغ، فى بلد «يأكل بالدين»؟ المدهش فعلياً أن الرجل كان موضعاً لاتهامات «موثقة» أيضاً فى حلقة لـ«الإبراشى»، قبل مدة، وقبل طرح ترشيحه كوزير، لما كان يترأس مركز البحوث الزراعية.. كانت الحلقة عن الفساد فى وزارة الزراعة وكان الرجل من «كبار الرؤوس»، منذ كان رجل «يوسف عبدالرحمن» صاحب قضية الفساد الشهيرة.
الرجل يجيد «تستيف الورق» بامتياز، ومع ذلك، فاتت أو وقعت منه بعضها، مما مكّن رجل تفتيش وزارة المالية من إثبات الحالات، وقام بالفعل بإبلاغ رؤسائه، والوزيرين (المالية والزراعة) فهدّدوه ورجاله ونفّذوا وعيدهم.. كان ما عرضه زميلنا وائل الإبراشى فوق أى تصور، ما دفع بسيدة فى مداخلة للبرنامج، أن تقول والنبى قولوا أن ما نراه غير حقيقى وأن ده برنامج الكاميرا الخفية! وكان معها كل الحق وهى ترى الدكتور سعيد خليل، المسئول بوزارة الزراعة حتى اليوم وقد حمل «هرماً» من المستندات عن ألاعيب وتحايلات الرجل الذى اختاره رئيس الوزراء ليكون على رأس واحدة من أخطر الوزارات، وليدخلنا بأسانيده ومستنداته «مغارة» من مغارات «على بابا»، وليؤكد كلامه أو «بلاغاته» الدكتور سمير خطاب، مفتش وزارة المالية، الذى أطاحوا به لأنه تجرّأ وأدى دوره.. كان الكلام «الموثق» من الرجلين فوق كل احتمال، والأرقام بالمليارات.. مليارات وليس ملايين، والمسئولان، «دكتور سعيد» من وزارة الزراعة، و«دكتور سمير خطاب» يرفعان شعاراً واحداً «احبسونا لو كنا على غير حق أو احبسوه» السيد المسئول الآن عن وزارة الزراعة أعاد مائة وثمانية ملايين فى بلاغ واحد، بلاغ واحد فقط، استطاعت مباحث الأموال العامة أن تعيد منه هذا الرقم، ما يعنى اعترافاً ضمنياً بأنه أخذ ما لا يستحقه واستحل لنفسه ما ليس من حقه، واضطر إلى إرجاعه عن طريق مباحث الأموال العامة! ثم يخرج على الناس قبل أن يحلف اليمين، معترفاً بتصريح: «آه هناك ٢١ بلاغ مقدم ضده لكن تم حفظها»..! قال الدكتور سعيد خليل إن بعض العاملين فى الوزارة «جات لهم جلطة» لما سمعوا بترشيحه وزيراً، والحقيقة أننا -كل من تابع الحلقات- أصيبوا بعد أن حلف اليمين بما يتجاوز الجلطة، لم يعودوا واثقين إلى مدى هناك إصرار على توطين الفساد، بمثل هذه الاختيارات؟ ومع ذلك فإننى أتوجه وأتضامن مع الشعار الذى رفعه مسئول وزارة الزراعة ومسئول وزارة المالية: إما أن تحبسوا مقدمى البلاغات، وإما أن تحبسوا الرجل الذى سلمتموه مفتاح «الكرار».
ما كشف عنه الترشيح من «خراب» بفعل فاعل، إن لم يتم التحقيق فيه، فالخراب أعمق.