«أعطنى قائداً استثنائياً استشرافياً، أمنحك مجتمعاً ريادياً ابتكارياً»، تلك إحدى أهم ركائز المعادلة التنموية المستدامة لأفضل أداء وزارى، فنحن نقف اليوم فى هدأة عاصفة رعدية محملة بالتحديات الأمنية والاقتصادية والمجتمعية، وتظلّنا سحب رمادية مُثقلة بالعديد من الإشكاليّات، ونواجه واقعاً محلياً وإقليمياً وعالمياً مضطرباً يتطلب حلولاً استثنائية، فما كان صالحاً للأمس البعيد لم يعد مجدياً للغد القريب، ولن يتعامل مع هذه التعقيدات فى منطقتنا ومجتمعاتنا إلا وزير يحمل فكر ونهج القائد الاستثنائى، قائد يتجاوز قدرته على اتخاذ القرار والتوجيه والإشراف والرقابة والمتابعة إلى امتلاك فن التأثير وشحذ الهمم، قائد ليس بينه وبين المعرفة خصومة، لا يكتفى بتنفيذ «برنامج عمل الحكومة» فحسب، بل يتخطاه إلى توظيف الإمكانيات وتمكين المواهب وتعظيم العوائد والفوائد وصناعة الفرص.
القائد الاستثنائى... يُعلى من قيمة شركاء العمل بصرف النظر عن مواقعهم ومراتبهم الوظيفية، وينقب عن أصحاب المواطنة الإيجابية والعطاء الوطنى والسجل الحافل بالإنجازات والشباب المتميز والطموح ليمنحهم الثقة والصلاحيات، ويراهن على ما لديهم من إمكانات كامنة وقدرات واعدة، ويُذلّل لهم سُبل العمل والابتكار ويدلّهم على منبع الأفكار، فهو لا انفصام بين حضوره الإعلامى وأفعاله وقراراته وأسلوبه القيادى لأنه يملك إنسانية الفكر وابتكارية الحلول والوفاء بالوعود والعهود. القائد الاستثنائى يشعل فتيل الحماس فى النفوس الراكدة عبر التقدير والتحفيز والتشجيع والاعتراف بإنجازات فريق عمله، لتكون «نحن» الغائبة أكثر من «أنا» الحاضرة الغالبة.
إنّ سِجلّ التاريخ زاخر بوزراء وقادة استثنائيين، سجلوا بحروف من ذهب أمجاداً تبلورت بأيدٍ بشرية، لكنها استثنائية، أمثال الوزير الأديب ثروت عكاشة (1921-2012)، مؤسس الثقافة المصرية وصاحب الرسالة التنويرية، والوزير حسب الله الكفراوى (1930-2016) مهندس التعمير والمدن الجديدة عبر 17عاماً من الوفاء والعطاء والإلهام أنجز خلالها 17 مدينة جديدة، وعلى المستوى العالمى، أحال الشيخ زايد بن سلطان (1918-2004) صحراء قاحلة عام 1971 إلى سبع إمارات تتربّع اليوم على عرش التنافسية العالمية فى التميّز الحكومى والريادة والابتكار؛ والقائد الماليزى، مهاتير محمد، الذى أسر العالم بالقفزة النوعية التنموية التى أحدثها فى بلاده فى وقت قياسى، والقائمة تطول بنماذج وزارية وقيادية استثنائية وطنية وعالمية يصعب حصرها.
وفى رحلة التقصّى يمكن أن نرصد أربعة أسرار تقلّد الوزير القائد أو القائد الوزير وسام الاستثنائية بجدارة، وهى الوصفة العاجلة لوزراء الدولة المصرية فى رحلتهم التى لم تكمل شهرها الأول بعد. إن أوّل الأسرار «الحلم» الذى يحيا به القادة الاستثنائيون فى كل تفاصيل حياتهم حتى يصبح واقعاً ماثلاً أمامهم مهما كانت التحديات، ففى عام 2014 راود حاكم دبى حلم تحويلها إلى واحدة من أذكى مدن العالم، حتى تمّ إنجاز أول شارع ذكى عام 2016، وفى هذا يقول والت ديزنى: «ستتحقّق كل أحلامك إذا كنت تملك الشجاعة لمطاردتها».
أما السرّ الثانى، فيكمن فى «رؤية» ثاقبة يراها القادة الاستثنائيون كالشمس الساطعة فى كبد سماءٍ صافية، فالرؤية عندهم جسر بين الواقع المأمول والمستقبل المنظور، وهذا ما امتلكه قائد نهضة سنغافورة «لى كوان يو» الذى اشتهر برؤيته فى تحويل «سنغافورة إلى واحة من العالم الأوّل فى منطقة من العالم الثالث»، فقفزت من بلد فقير محدود الموارد تخلّت عنه ماليزيا عام 1965 إلى واحدة من أغنى دول العالم وأكثرها تقدّماً. والسرّ الثالث يخبرنا بأنّ تحويل الحلم إلى واقع يتطلّب امتلاك «مهارات قيادية استثنائية»، حيث يشير استبيان أجرته مؤسسة «زنجر فولكمان» إلى أنّ أهم السمات القيادية هى الإلهام والقدرة على تحفيز الآخرين بنسبة 38%.
وأخيراً، تعد «المبادرة والاستباقية» السر الرابع للقائد الاستثنائى، لم يكن مركز مجدى يعقوب لأمراض وأبحاث القلب فى أسوان ليحقق نجاحاته الباهرة وهو مركز غير حكومى تعتمد موارده على التبرعات، لولا الرؤية الاستباقية وروح المبادرة التى أطلق شعلتها البروفيسور يعقوب ملك القلوب، ثم عمل على زرعها فى فريقه ورعايتها بالتحفيز وتقديم القدوة فى القيم النبيلة والعمل والإنجاز، لنكون أمام مشروع عالمى النهج والنتائج والنجاحات.
واليوم وبعد التشكيل الوزارى وبداية رحلة جديدة، فإن الصف الأول فى فريق العمل الوزارى المصرى، وهم يعزفون سيمفونية عبر 33 عازفاً بقيادة المايسترو رئيس الوزراء وتوجيه ومتابعة القائد الأعلى رئيس الدولة، يحتاجون وبشدة أن يكون لديهم ممكنات صناعة الأمل ليكون (الإنجاز) وليس (الأداء) مقروناً بنفس مقدامة ذات حضور وإصرار على تحقيق نتائج وتقديم حلول عملية واقعية، وليس تصريحات وتمنيات ومسكنات وقتية اعتماداً على غياب ذاكرة مؤسسية جماعية توثق وتستحضر الوعود والعهود والتصريحات مقارنة بالأفعال، لأن الخارطة التنموية وفق رؤية الدولة المصرية 2030 واضحة المعالم والدروب وقد تتطلب بعض التعديلات والتحسينات.
كل ما يحتاجه معالى الوزير هو المعرفة المؤسسية والنزاهة والشفافية والموضوعية والتحدث بلغة النتائج والأثر المستدام ومواجهة الأمراض وليست الأعراض، وبناء الوطن باستشراف المستقبل، بعيداً عن ضيق الأفق والأهداف المسكنة والتصريحات المستهلكة والتصفيق الوهمى والإخفاق فى إدارة توقعات أهم شركاء الوزارة فى النجاح: العاملون والمتعاملون، وزير حاضرٌ بفكره وأثره الإيجابى وقيمه ورسالته وأهدافه المؤسسية الواضحة، وليس بوجوده المكانى وغيابه التفاعلى التشاركى، لأنه لا صوت يعلو صوت النتائج فى أداء الوزير القائد الاستثنائى، صانع الأمل والفرص بالعمل والمبادر بالحلول الخلاقة وسط غابات من حقول الألغام والتحديات.
*خبير دولى فى التميز المؤسسى