وسط حالة اليأس والإحباط التى يحاول البعض نشرها فى المجتمع، تساعدهم فى ذلك الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشها المواطن المصرى وتغذيها وسائل إعلام معادية، تحتفل جامعة المنصورة بإجراء 500 عملية زراعة كبد من متبرع حى، وهو إنجاز عالمى فريد لم يحدث فى أى مستشفى آخر، لأن زراعة الكبد فى العالم تُجرَى من أموات إلى إحياء ونقل الكبد بالكامل، وهى أسهل بكثير عما يحدث فى مصر، حيث يتم نقل جزء (فص) من المتبرع الحى إلى مريض الفشل الكبدى، وهى أكبر عملية جراحية فى مجال الطب، حيث تستغرق 18 ساعة، ويقوم فريق زراعة الكبد بالمنصورة بإجرائها مرتين أسبوعياً، وطوال 12 عاماً لم يتوقف (سوى مرة واحدة الشهر الماضى بسبب نقص المحاليل وأدوية المناعة)، حتى فى ظل ظروف الانفلات الأمنى بعد يناير 2011، مؤسسات الدولة كانت تتعرض للاقتحام والمولوتوف وكل طوائف المجتمع (عدا الفلاحين) تتظاهر وتعتصم فى الميادين وتُضرب عن العمل، للحصول على مطالب فئوية، وكان فريق زراعة الكبد يعتصم فى غرفة العمليات، ويصارع الزمن لإنقاذ حياة مريض من الموت، كان هناك من يُزهق الأرواح، وجراحو المنصورة ينقذون الأرواح، برنامج زراعة الكبد بجامعة المنصورة هو الأقل تكلفة، لأنه حكومى خالص، ولا يهدف إلى تحقيق الربح، وفريقه مصرى شبه متطوع، ومعظم المرضى فقراء، وراء كل منهم حكاية تدمى القلوب، فالذى باع ممتلكاته، والذى جمع تبرعات أهل الخير، منهم العمال والفلاحون والأطفال، وجامعة المنصورة تتحمّل تكلفة علاج بعضهم، فلم يحدث أن رفضت إدارة الجامعة والمستشفى مريضاً بسبب حالته المادية، بل إنها ترعاهم بعد الزرع مدى الحياة، ودون أى مقابل.
كثيرون هم أصحاب الأيادى البيضاء على هذا البرنامج، بعضهم توفاه الله، لكن عمله الصالح ما زال مستمراً ودعوات المرضى تُنير قبورهم وفى ميزان حسناتهم يوم القيامة، أما أعضاء الفريق الُمحتفى بهم، الذين لا يتسع المقام لذكر أسمائهم، وهم أيضاً لا يحبون ذلك. إنهم ملائكة للرحمة يعيشون بيننا ويمنحوننا الأمل فى مستقبل أفضل، رغم ضآلة ما يتقاضونه، إلا أنهم سعداء بعملهم الذى يشبه الإعجاز، فريق زراعة الكبد بجامعة المنصورة يستحق التكريم شعبياً ورسمياً وإعلامياً، لأنهم يؤكدون أن مصر بخير، وهناك من يعمل من أجلها فى صمت ودون صخب إعلامى أو انتظار لأى مقابل، ورغم زراعة 500 كبد فى جامعة المنصورة فقط، فإن قوائم الانتظار ما زالت طويلة، ومرضى الكبد فى مصر يتزايدون، وبعضهم يلقى ربه قبل موعد العملية بسبب ضعف الموارد المالية، ولهذا يجب على الدولة الاهتمام أكثر بمنظومة الوقاية من أمراض الكبد وغيرها، لأن الوقاية ليست فقط أفضل من العلاج، لكنها أيضاً أرخص بكثير، وكل دول العالم حالياً تولى اهتماماً أكبر بالقضاء على أسباب المرض حتى تمنع حدوثه، وبالتالى توفير الموازنة الضخمة التى كانت تنفقها على العلاج. جامعة المنصورة بمراكزها الطبية المتميزة فى كل التخصصات وبعلمائها الأطباء وسمعتها العالمية فى مجال زراعة الأعضاء تؤكد فعلاً أن مدينة المنصورة عاصمة مصر الطبية ويجب انتشار عدوى النجاح هذه فى الوطن كله وفى جميع المجالات، التحية والتقدير لمن أسهم فى نجاح برنامج زراعة الكبد، ولرجال الأعمال وأهل الخير الذين يتبرعون للمرضى الفقراء، واللهم احفظ مصر.