يبدو أن الواحد فى حاجة للتأكيد والتذكير فى كل مرة بالفرق بين الأزهر والإدارة القائمة على الأزهر، وقل مثلاً فى الفرق بين الإسلام والإخوان، وبين السلف والسلفيين.. إلخ، وهذا المقال ليس عن المشيخة، ولا عن وزارة الأوقاف، ولا عن دار الإفتاء، بل عن الأزهر فقط.
الأزهر الذى يُعد من أهم العوامل الفكرية التى قامت بصناعة وتشكيل شخصية الإنسان المصرى منذ أكثر من ألف سنة، وامتزج بتاريخ المصريين، وامتلأ علماؤه وقياداته علماً ووجاهة ونوراً.. هذا الأزهر لا يمكن لأحد أن يقترب منه إلا بكل تقدير وإجلال وإكبار.
الأزهر الشريف الذى حمى الدين، وحافظ على اللغة، وكان أميناً على مواريث النبوة، ولم يكن علماؤه يشتغلون بالشئون العلمية فحسب، بل انحازوا إلى جانب الأمة فى قضاياها المختلفة، كل ذلك وفق منهج منضبط مستخلَص من منابع الأزهر الشريف عبر طبقات علمائه، بمحتوى جلى واضح هو: أشعرية العقيدة، ومذهبية الفقه، وأخلاق التصوف، ثم معالم متعددة، صنعت العقولَ، وشكلت العلوم، وميزت بين الأزهرى منهجاً وانتماء، والأزهرى شهادة وتخرجاً.. هذا الأزهر لا يمكن لأحد أن يقترب منه إلا بكل تقدير وإجلال وإكبار.
الأزهر الذى من روائعه هذا الموقف: «دخل طالب أزهرى الامتحان، أملاً فى وظيفة بالأزهر يتمناها، وكان رئيس اللجنة التى تمتحنه والده الأستاذ بجامعة الأزهر، فسأل الوالدُ ابنَه كما يسأل غيره من المتقدمين للامتحان، وابنه لم يجب كما ينبغى، وكانت النتيجة رسوب الابن بإصرار من أبيه على أن يرسب، ثم قال الأب لابنه: (يا بنى، فلوسى لك، وسكنى لك، أما النجاح فهو للأكثر حفظاً والأعلى كفاءة فقط)، هذه النماذج من رجال الأزهر الشريف لا يمكن لأحد أن يقترب منها إلا بكل تقدير وإجلال وإكبار.
الأزهر الذى لم يصب بداء الغلو فى تمجيد التراث، ورفض ابتلاع كل ما انتفخت به الكتب، ولم يعش على المدح والإطراء والتغنى بالأمجاد والتاريخ، ولم يعطل حركة الإبداع والتجديد والنظر والاجتهاد، وبالتجديد والإبداع أغلق علماؤه الباب أمام التسلل للمتنكرين لمآثر الماضى كله، والمتحدثين عن التراث بمنطق التجنى لا التبنى، والهدم لا الانتقاء.. الأزهر هذا لا يمكن لأحد أن يقترب منه إلا بكل تقدير وإجلال وإكبار.
الأزهر الذى ينتفض باحثوه وأبناؤه لاستخلاص الأفكار والنظريات والمفاهيم والمرتكزات التى بنت عليها التيارات السياسية المنتسبة للإسلام منهجها، ثم القيام بتفنيدها والرد عليها وملاحقتها، وإبداء الرأى فيها، وطرح البديل المناسب، ثم يسرى كل ذلك فى أذهان طلبته وأساتذته وشيوخه، فيكون الأزهر بمشيخته وشيوخه وجامعته هو حائط الصد الذى تنكسر عليه هذه التيارات.. هذا الأزهر لا يمكن لأحد أن يقترب منه إلا بكل تقدير وإجلال وإكبار.
الأزهر الذى يتحدث عنه الدكتور محمد عبدالمنعم خفاجى فى كتابه: «الإسلام رسالة الإصلاح والحرية»، فيقول: «الأزهر عليه أن يضرب الأمثال بالأسلاف الأولين، وما كان لهم من مواقف رائعة، ومشاهد ماجدة، وصفحات ناصعة فى كل ميدان، ويبين للناس ما بلغته الحضارة الإسلامية من رقى، ويعاضد رجال الفكر والثقافة والصحافة، وينشئ الجمعيات الدينية التى تسهم بنشاط فى نواحى المجتمع ومرافق الأمة، ويرشد الناس إلى كل خير وجمال، وينشر بين الناس السمو الروحى، والسلام الأبدى، ويدعو الناس بخلقه وأدبه وبيانه وحجته، فيطمئن العاقل الحائر، ويسعد العالم الشقى، وتنعم الإنسانية المعذبة، وتعود للحياة سيرتها الأولى، ولا ييأس من روح الله».. هذا الأزهر لا يمكن لأحد أن يقترب منه إلا بكل تقدير وإجلال وإكبار.. هذا الأزهر يكون الحفاظ عليه وعلى مرجعيته وقاية للمجتمع، وركناً من أركان الدولة المصرية.