الأخطر فيما كشفت عنه معركة السيد الدكتور على عبدالعال مع الأهرام وجريدة المقال، هو ذلك التماهى ما بين فكرة «الحصانة» وفكرة «القداسة».. الحصانة التى يتمتع بها عضو البرلمان وجدت لكفالة حرية النائب فى ممارسة مهمته الرقابية.. كى يستطيع العضو ممارسة دوره الرقابى، على السلطة التنفيذية، دون أن تضغط هذه السلطة عليه أو تحد من دوره الرقابى.. يعنى هى حصانة مرهونة بمهمة محددة وليست مطلقة.. الحصانة لضمان عدم إعاقة الدور الرقابى على الحكومة، وليس كما يستشعر الناس من أن مجلسهم النيابى وقد اختلط عليه الأمر، فكادت تتحول مهمته، من مراقبة الحكومة إلى الدفاع عن الحكومة.. هناك مستويات بشأن حجم وحدود تلك الحصانة، أكثرها محدودية فى البرلمانات الاسكندنافية.. الحصانة لا تعنى أبداً عدم المساس الذى يكاد يقترب لدى السيد رئيس البرلمان وبعض أعضائه، إلى ما يشبه «القداسة».. وحاشا لله، القداسة لله وحده، وإلا فسوف نفاجأ «يوماً»، بتهمة اسمها «ازدراء المجلس».. لقد ذهب البعض فى تفسير حملة رئيس البرلمان على الأهرام، مردها ليس فقط ما قال عنه رئيس البرلمان من خبر مشوه تم نشره، ولكن ما رصدته الأهرام العربى من أخطاء لغوية صارخة ونشرته، فيما أعتقد، وكان ذلك إبان الاحتفال التذكارى فى شرم الشيخ.. وهى حقيقة، ربما يستحى البعض من ذكرها، لكنها أمر لافت ولا شك.. لأنه معلن وعلى الملأ، وكان صادماً للرأى العام أن يرى رئيس برلمانه وهو رجل قانون وعمل يوماً مستشاراً ثقافياً لمصر بالخارج، تتهلهل اللغة على لسانه إلى هذه الدرجة.. هل إذا كتب أحد عن ذلك، يكون قد مس «الحصانة»؟!
الدلالة الكارثية الأخرى، فيما نطق به السيد رئيس البرلمان وكشفت عنها كلماته التى تصور أنه «يعاير» بها الأهرام، وقوله ما معناه أنها كتبت ما يتصوره يشوه المجلس، مع «أنهم يصرفون على الأهرام»! لقد ردت الأهرام بما ينبغى وقال الناس، وليس الصحفيين، إن الشعب هو من ينفق على البرلمان ومؤسسات الدولة، لكن الطامة فى دلالة تلك الرؤية التى يتبناها السيد رئيس البرلمان، وكأنه ينفق هو والأعضاء من جيوبهم الخاصة، وبالتالى على الصحافة أن تسدد فواتيرها بتبعية عمياء.. لو أن رجل أعمال ينفق من جيبه فعلياً، على وسيط إعلامى، ونطق بما نطق به السيد عبدالعال، وجاهر به، لكان له مع الرأى العام شأن حسابى آخر.. لكن هذه رؤية رئيس البرلمان.. رؤية من من المفترض فيه الدفاع عن حرية واستقلال الرأى.. رؤيته أن من ينفق يملى سياساته وعلى الإعلام أن يغمض عينيه، ويطيع.. وهذا مرفوض حتى مع الذين ينفقون من جيوبهم الخاصة.. الأكثر فزعاً هو ذلك «التلويح» أو بعنى أكثر صراحة، «التهديد» الذى تضمنه كلام رئيس البرلمان وتوعد به المؤسسات الصحفية، وما ينتظرها بعد التنظيم الجديد، وكأنه يقول استنوا علىَّ.. محدش حايفتح بقه بعد كده! أما ما لم أستطع تجاوزه وأنا أبتسم فما قاله عن الأهرام السيد رئيس البرلمان، فى اليوم التالى معتذراً وكيف أن الأهرام مؤسسة «حضارية» وأنه تخرج فيه صحفيون وناس بتقدم برامج فى الفضائيات! الأهرام الذى يعد واحداً من أصول الدولة المصرية الحديثة، دوراً وتاريخاً، وهذا أمر شرحه يطول، يختزله السيد رئيس البرلمان، فى أن أبرز ما يتميز به الآن أنه «خرج منه من يعمل بالفضائيات»؟!!
أما وقوف بعض «الصحفيين»، من أعضاء البرلمان، فى جلسات، وصراخهم لجرجرة إبراهيم عيسى، رئيس تحرير المقال على النائب العام، على طريقة: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم»، فهؤلاء يستحقون الإشفاق، فقد «هرمنا» وهم يلعبون دوراً واحداً لا يتغير مهما تبدلت الحقب، ولم يعد لنا إلا أن نراهن على «الزمن» الذى طوى ويطوى أمثالهم، كأن لم يكونوا!