تعظيم سلام للرئيس السابق محمد حسنى مبارك.
أقولها الآن رغم أننى قضيت عمرى المهنى فى الكتابة ضد انتهاك نظام حكمه لكرامة المصريين فى أقسام الشرطة.. وضد توحش رجاله وبطانته الفاسدة فى نهب ثروات هذا الشعب.
تعظيم سلام للرئيس مبارك؛ لأن زلزال البدء فى بناء «سد النهضة» بإثيوبيا، بعد يوم واحد فقط من عودة الرئيس الإخوانى محمد مرسى من مؤتمر القمة الأفريقية هناك، كشف مرة أخرى أن ما حدث وما سوف يحدث فى كل الملفات المصرية الخطيرة لا مجال فيه على الإطلاق للصدفة، وأن «ثورات الربيع العربى» التى أطاحت بـ«مبارك» هى مجرد حلقة من حلقات إعادة ترتيب منطقة الشرق الأوسط بالكامل، وفى القلب منها مصر، لإنجاز المشروعات الخطيرة التى لم تتمكن أمريكا وإسرائيل من التقدم خطوة واحدة فيها، بسبب العناد الرهيب للرئيس مبارك، خصوصاً فى قضايا وطنية وإقليمية على جانب كبير من الأهمية مثل قضيتى سيناء ومياه النيل.
نعم، «مبارك» أكثر وطنية وأكثر رحمة بالشعب المصرى وأكثر إخلاصاً لحاضر ومستقبل مصر من كل رجال هذا «المحفل الماسونى» الذى يحكمنا الآن، وينتشر ويتمدد مثل سرطان مدمر فى كل مفاصل الوطن العربى، مدفوعاً بكراهية سوداء تؤهله دائماً للتفريط فى الأرض والمياه مقابل السيطرة والتمكين. وما حدث فى سيناء ثم ما حدث قبل أيام فى إثيوبيا يكشف، بجلاء فاضح، أن مشروع أديس أبابا فى بناء سد النهضة لم يكن أمراً مفاجئاً للرئيس الإخوانى ولا لمكتب إرشاد الجماعة.. فمثل هذه الأمور المصيرية لا يمكن أن تخضع للصدفة، ويستحيل أن تجرؤ إثيوبيا على هذه الخطوة إلا باتفاق مسبق تم إنجازه بمعرفة صندوق النقد الدولى والبنك الدولى للإنشاء والتعمير، اللذين يعملان منذ سنوات لوضع «مبادرة تنمية نهر النيل» التى اقترحها البنك الدولى عام 1998 موضع التنفيذ.
ولعلنا جميعاً نتذكر أن البنك الدولى شارك فى تشكيل «سكرتارية دائمة وأمانة فنية لدول حوض النيل» ضمت فى عضويتها وزراء الموارد المائية لدول الحوض، وعقدت 10 اجتماعات أحيطت بسرية بالغة، وصلت إلى حد إخفاء كل المشروعات المطروحة عن رؤساء وزراء الدول المعنية وعن مجالسها النيابية، وهو الأمر الذى وصفه العالِم المصرى الفذ الدكتور رشدى سعيد، فى مقالين له بجريدة «الأهرام»، بأنه «من أكثر الأمور إيلاماً للنفس هذه الطريقة التى يتم بها تقرير مصير الشعوب دون مشاركة أو محاسبة.. وليست هناك إهانة توجَّه للشعوب أكثر من إحاطة أمورها بهذه السرية المطلقة».
لكن هذه السرية انكشفت فى مؤتمر دافوس الاقتصادى بشرم الشيخ عام 2006، عندما طرح رئيس مجموعة شركات «هالكرو» البريطانية للمياه تصوره المدعوم من البنك الدولى لـ«تحويل مياه النيل إلى صناعة عالمية تشارك فيها شركات الاستثمار العملاقة.. وهو التصور الذى لن يتم إلا بتغيير القوانين المصرية التى تمنع الاستثمار فى مياه النيل»!
آنذاك كشف الدكتور محمود أبوزيد، وزير الرى الأسبق، عن أن مصر أعدت فعلاً عدة مشروعات قوانين سيتم تقديمها لمجلس الشعب قريباً.. وتشهد كل الدلائل على أن الرئيس مبارك، ومعه أجهزته الأمنية، لعب دوراً عنيداً فى إعاقة هذه المشروعات، وظل وجوده سداً منيعاً فى طريق تمرير هذا المخطط الأمريكى الإجرامى لتحويل مياه النيل إلى سلعة اقتصادية تسهم شركات دولية فى استثمارها!
لكن الإخوان فعلوها.. وافقوا ببساطة مذهلة على تمرير المخطط، ولهذا لم يندهشوا إطلاقاً ولم تصدر عنهم أى تصريحات تنم عن وقوع مفاجأة.. ولا يوجد تفسير منطقى لـ«تناحة» المحفل الإخوانى تجاه هذه الكارثة.. غير أنهم «بصموا» على أوراق البنك الدولى.
ولهذا.. لا أجد حرجاً الآن فى أن أنحنى احتراماً للرئيس محمد حسنى مبارك الذى تثبت الشواهد كل يوم أنه يدفع الآن ثمن صلابته الوطنية فى القضايا المصيرية لوطنه.