مِن أكثر مَن يقلقنى بين بنى المسلمين مَن يدافع عن الإسلام لفظاً ويضره فى نفس الوقت فعلاً، مَن يضحك على الناس بالدين، ويضحّك الناس على الدين.
البعض يسألنى أحيانا: «هل أنت إسلامى»؟ وعادة ما يكون ردى هو عدم الرد، لكن لأننى لا بد أن أقول شيئا لمن ينتظر الإجابة أقول: أنا بصلى المغرب كل يوم، ما أعرفش ده يخلينى إسلامى أم لا». وفى ظروف أكثر جدية أقول: «بحاول ما أعملش حاجات حرام قدر الإمكان، هل كده أنا إسلامى أم لا؟».
ولأن الأمور فى مصر ازدادت سخونة واستقطاباً تجد بعض الأصدقاء الإخوان يلوموننى، أحيانا بحدة، حين أنتقد الدكتور مرسى أو سياسةً ما تبناها الإخوان، وعادة ما يكون ردى فى إطار ما يلى:
هل الأهم عندك الدكتور مرسى أم جماعة الإخوان؟ وبعد بعض المناكفات من الأصدقاء الإخوان تكون الإجابة: الإخوان أهم من الدكتور مرسى؛ لأن الدكتور مرسى شخص ومتغير، أما الإخوان فهى جماعة وراسخة عندهم. أقول لهم: أنا أعمل نفس الحكاية فى عقلى: من الأهم عندى: الإخوان أم مصر؟ فأنا إجابتى وبلا تردد: «مصر»، الإخوان متغيرون، ومصر عندى راسخة وأهم وأبقى.
وهل من الممكن أن تكون هناك مفاضلة بين الإخوان ومصر؟ نعم ممن الممكن جدا، والحقيقة أن الإخوان بتقدير خاطئ تماماً للأمور يجروننى وآخرين إلى الاعتقاد أنهم يتبنون نظرة ضيقة تخدم الجماعة وتضر بمصلحة مصر.
كثيرون يظنون أنهم بوحى من الإسلام، أو بالمتاجرة به، فإن عليهم أن يتجاهلوا كل وجهات النظر المعارضة لهم. ولا يدركون أن هذا هو سبب قيام ثورة يناير، وأن الصراع على هوية البلد لم يزل مستمرا، وهو صراع أغلبه يديره المتطرفون والمتشددون، ولا يديره العقلاء والحكماء من الطرفين.
من فبراير 2012، وقبل الانتخابات الرئاسية، حتى لا أبدو متعسفا ضد أحد، وفى مقال بعنوان «الرئيس المؤسس» فى جريدة «الشروق»، أوضحت ما يلى: «والرئيس الجديد سيأتى ومعه توقعات متضاربة، فيوجد بين المصريين من يخشى من «أسلمة» مؤسسات الدولة فى مصر ويرى أن رئيسا غير إسلامى أو رئيسا (حتى لو كان إسلاميا) فى أعقاب دستور يضع قيودا على صلاحيات الرئيس سيضمن ألا تواجه مصر فى 2012 ما واجهته فى 1952؛ حيث قام عبدالناصر ورفاقه بإعادة تأسيس الدولة المصرية وفقا للأيديولوجية الجديدة. وأيا ما كانت رؤيتنا لما سيحدث، فإن أى مرحلة انتقالية ثورية ستفضى إلى إعادة توزيع أوراق اللعبة فى ساحات الصراع القادمة وأولاها: مؤسسات الدولة نفسها. ومؤسسات الدولة الأكثر عرضة للصراع السياسى نوعان: المؤسسات السيادية مثل الجيش، الداخلية، المخابرات، السياسة الخارجية، ومؤسسات صناعة العقول مثل التعليم، الإعلام، الثقافة، الأوقاف.
ولأن هذا الصراع واقع لا محالة، إلا إذا افترضنا مثالية ساذجة، فإن الرئيس المؤسس سيكون له دور مهم فى تحديد من يتحكم فى ماذا وكيف ولماذا. ومن هنا ستأتى عبارة «توافقى» التى استهلكها البعض ظنا منهم أنها تعنى أنه رئيس «متوافَق عليه» من قِبل بعض القوى السياسية، فى حين أن المطلوب منه ولو جزئيا أن يُحدث هو التوافق بما يعنى أن يكون (غير تصادمى)، (غير استقطابى)، (غير إقصائى). الفترة المقبلة هى فترة (تأسيس) للدولة الجديدة، ولهذا لم يكن مستغرباً أن دولة مثل جنوب أفريقيا احتاجت لحقيبة وزارية بعد صياغة دستورها من أجل استكمال بناء المؤسسات الدستورية. وانتهت هذه الوزارة بعد استكمال بناء المؤسسات الجديدة.
اللهم ارزقنا الحكمة وألهمنا حسن اختيار من يؤسس لدولتنا الجديدة».
هذا كان كلامى فى فبراير 2012، ومن الواضح تماما أن الله لم يستجب لدعائى، فجاء الدكتور مرسى ومعه من لو استطاع لأخون الدولة كاملة وليس فقط المؤسسات التى حذرت من أدلجتها.
أرى هذا فى خطب الرئيس ومواقف حزبه وجماعته ومناصريهم ضد القضاة، وعدم الحصافة فى التعامل مع الدستور الذى أقروه، وفى التعيينات فى المناصب الوزارية الأخيرة.
لا أعرف الكثير عن وزير الثقافة الجديد، لكنه واضح أنه من النوعية الصدامية التى تضيف إلى المخاوف أدلة جديدة تؤكد أن الإخوة فى «الإخوان» فاكرينها عزبة والدكتور مرسى صاحبها وكل واحد يعينه هو ناظر العزبة يعمل فيها ما يشاء وقتما يشاء. وأنا من ناحيتى أعلن دعمى الكامل للمثقفين المعارضين لوزير الثقافة الجديد الذى لم يوضح الأساس الذى على أساسه يقيل ويعين الناس. بل الحقيقة أنا أدعو كل مصرى محب لهذا البلد أن يعلن دعمه لمثقفى مصر ضد شيئين: السياسة الإخوانية الرافضة للتعددية الفكرية داخل مؤسسة مهمتها الأساسية هى احترام هذه التعددية الثقافية، وضد الغطرسة فى تنفيذ هذه السياسة على نحو يجعل الوزير وكأنه جاء لتفجير الوزارة والتخلص من القائمين عليها لتعيين موالين له فيها. ولو كان لديه أى مستندات تفيد بتورط أى طرف فى فساد أو استغلال منصب، فليقدمه للنائب العام.
بل أنا أعبر عن استيائى الشديد مما نُسب إلى مجمع البحوث الإسلامى من التوصية بسحب كتب الدكتور حسن حنفى من التداول. ولو صح هذا الكلام، فأنا أتساءل: إيه ده؟
هو بكده كتب الدكتور حسن حنفى ستُمنع من القراءة والتداول؟ يا أهل العلم «ليس بالقمع تقتل الرأى، إن القمع يليه (أى يعطيه) قوة وانتشارا». هذا الكلام كتبته عشرات المرات. آخر مرة قرأت للدكتور حسن حنفى كانت فى التسعينات. وفهمت منه أكثر الفكر المعتزلى ولماذا يصف نفسه بأنه المعتزلى الجديد. ويجوز أن يكون فى بعض كلامه شىء من الشطط بالنسبة لى، ولكن كل الشطط أن تحاول منع كتبه، فيزداد الناس إقبالا عليها، رغم أننى لا أرى أى ضرر فى هذا. القرآن الكريم نفسه كرر ما قاله المدعون عن الله سبحانه وتعالى، لكنه رد عليهم وفنّد حججهم.
لست سعيداً بأن يتحول الدين إلى أداة قمع للتعددية الفكرية، سواء من الأزهر أو من الإخوان أو من السلفيين. يبدو أن عباءة الاستبداد المصرية تتسع للجميع، وأسوأ أشكال الاستبداد وأخطرها التى تدعى وصلا بالدين لأنها تجعل الناس لا يتمردون على من يدعون دفاعا عن الدين، بل تتحول إلى تمرد على الدين نفسه. وهذا ليس فى مصلحتنا لا كمسلمين ولا كمسيحيين ولا كمصريين، بل ولا حتى كإخوان مسلمين.
ولو كانت هذه هى خدمتنا للإسلام، أرجوكم كفاية شكرا. ولنا الله.