ليست المرة الأولى التى يتحدث فيها يوسف بطرس غالى (وزير المالية فى عهد مبارك) عن تقييمه لأوضاع مصر الاقتصادية ورؤيته لكيفية التعامل معها، تلك التى ظهر فيها مع الإعلامى المتميز أسامة كمال، فقد سبق وأجرى حواراً صحفياً أكد فيه أن مسئولين كباراً بالدولة المصرية لجأوا إليه خلال السنتين الماضيتين، طلباً للمشورة أو للاستشارة، الأمر نفسه ينطبق على الدكتور محمود محيى الدين (وزير الاستثمار الأسبق فى عصر مبارك)، وكذلك الدكتور محمد العريان المستشار الاقتصادى للرئيس السابق للولايات المتحدة «باراك أوباما». الملاحظ أنه مع كل مشكلة اقتصادية تظهر، وما أكثر ما يظهر لدينا من مشكلات، ومع كل حديث عن تعديل أو تغيير وزارى، تُطرح أسماء الثلاثة!.
وبغض النظر عن انتماء اثنين من هذه الأسماء (غالى ومحيى الدين) إلى عصر «مبارك» الذى انتهى بثورة شعبية عارمة ضده وضد نظامه ورجاله، فإن من يحلل أطروحات وأداء الأسماء الثلاثة التى تحولت إلى ما يشبه «الأصنام» التى يطاف حولها التماساً لحل مشكلات الاقتصاد، لا يجد إعجازاً فيما يطرحون. عندما كان بطرس غالى جزءاً من المشهد لم يكن يرى حلاً لمشكلة الاقتصاد فى مصر سوى إلغاء الدعم وتعويم الجنيه وإلغاء مجانية التعليم. وهو طرح يستهدف هدم نظرية «عيال الدولة»، تماماً مثلما يقرر أب التخلى عن الإنفاق على «عياله»، للتخلص من أعبائه الاقتصادية، ومواجهة عجزه عن توفير نفقاتهم، ثم ينظر إلى ذلك على أنه «عبقرية»!. أما محمود محيى الدين فكان صاحب نظرية أخرى، هى «نظرية الصكوك». هل تذكر أيام «مبارك» عندما خرج علينا الوزير الشاب المجتهد بهذه الفكرة، لتبرير بيع ما تبقى من مشروعات القطاع العام للمستثمرين ورجال الأعمال؟!. نظرية الصكوك تستدعى من الذاكرة بصورة مباشرة مشهد صاحب عقار ممتد على أرض كبيرة يريد هدمه ليبنى مكانه برجاً مشيداً، لكن تواجهه مشكلة صغيرة، تتمثل فى السكان الذين يقطنون فيه بنظام الإيجار القديم، فيكون الحل منح كل ساكن منهم «صكاً» بمبلغ، مقابل «الخلع» من «البيعة». وأنت تعلم حجم المليارات التى تم إهدارها أو نهبها فى عمليات بيع القطاع العام أثناء حكم «مبارك». أما الدكتور «العريان» فمع كامل احترامى له، إلا أن أوضاع الاقتصاد الأمريكى فى عصر «أوباما» الذى عمل مستشاراً له، لم تكن على ما يرام!.
المشورة واجبة ولا شك، وقد تكون مفيدة فى أحوال، لكن تخصيصها وقصر مجالها على أسماء بعينها يضر أكثر مما ينفع. ومشكلات هذا البلد معروفة، وأسباب تدهور أوضاعه الاقتصادية مفهومة، ثمة غول كبير تربى فى أحضان نظام «مبارك»، اسمه «غول الفساد»، نعم كان للفساد وجود قبل «مبارك»، لكنه تغول فى عصره، والكل يتفق على أن غلق حنفية الفساد هو المقدمة الأساسية التى يتأسس عليها أى حل لمشكلة مصر الاقتصادية، تلك هى المواجهة الحقيقية التى يجب أن تخوضها مصر، المواجهة التى تستلزم رؤية وفكراً وجهداً وإرادة، أما نظريات «بيع المواطن» بتخلى الدولة عنه، و«بيع الوطن» من خلال منح مشروعاته بثمن بخس، فظنى أنها لا تحتاج عبقرية، إنها تتطلب تعلم كلمة واحدة هى «بيع»!.