لم تتوقف المعركة مع العدو الإسرائيلى لحظة واحدة.. قبل أو بعد معاهدة السلام معه. ولن يوقفها ألف معاهدة سلام.. ومن يقل غير ذلك لا يعرف طبيعة الصراع ولا كينونته ولا أبعاده.. قد يأخذ الصراع أشكالاً ومنحنيات مختلفة لكنه لا يتوقف.. ولذلك يصدق هؤلاء ممن يرون أننا فى هدنة طويلة ستبقى ما شاء الله لها أن تبقى.. وصدق أولئك أيضاً ممن يرون أن الجهة الخفية المختفية التى تقف خلف كل ما يجرى فى المنطقة وضد مصر تحديداً هو العدو الإسرائيلى.. الذى يقف يحرك أدواته فى الخفاء فى ظهور غير ممكن.. ما دام هناك من يقبل بالعمالة أو بالاستغفال أن يقوم بمهامه.. كل مهامه!
وبعد 30 عاماً بالتمام والكمال على قنبلة المخابرات العامة المصرية التى تفجرت بالبطولة مكتوبة ومرئية عام 1987 تخرج صحف العدو، وهى أيضاً الواجهة لأجهزة استخباراتية، فى محاولة منحطة لسرقة عملية رأفت الهجان بل ولتسرق «الهجان» نفسه!!
القصة باختصار نشرتها «هآرتس» الصهيونية قبل أيام وكتبها محللها «عوفرادارات» بمناسبة مقتل «مردخاى شارون» عن عمر بلغ الـ91 عاماً قبل أسبوعين عندما كان يقود دراجته البخارية فى شارع 531 بالقرب من مدينة «هرتزليا» شمال فلسطين المحتلة، زاعماً أن «مردخاى شارون» هو من اعتقل بطلنا المصرى عام 1956 وساومه على الإفراج عنه بشرط أن يعمل للجانب الإسرائيلى، وأن «الهجان» قد استجاب وقدم بالفعل معلومات مغلوطة لمصر عن حرب 1956 أدت إلى عدم معرفة موعد الهجوم الإسرائيلى على سيناء فى العدوان الثلاثى، وهو الأمر الذى كرره «الهجان» من خلال «مردخاى» فى حرب 67 وأدت إلى تسريب موعد الحرب من دون الرغبة الإسرائيلية بالعدوان على المطارات المصرية، وتكرر ثالثاً فى 73 بتسريب معلومات مغلوطة ومقصودة أدت إلى انتصار محدود!
تلك كانت باختصار المزاعم الصهيونية من خلال «هآرتس» ومحللها المدعو «عوفرادارات» نقلاً عن قتيل الموتوسيكل المدعو «مردخاى شارون»، ولهؤلاء جميعاً وهم يمارسون لعبة «الذكاء» على المصريين وعلى الشعب العربى كله الذى تابع بشكل لم يسبق له مثيل عملية «الهجان» وتفاصيلها وفى محاولة يائسة بائسة لسرقة عمل وطنى كبير قاده وأداره الجهاز الذى يعتبره المصريون فخرهم وتاجهم!
عندما شرع الكاتب الكبير الراحل صالح مرسى (عرفناه عن قرب وكانت لنا معه وبصحبة الكاتب الصحفى أستاذى حسن بديع والمهندس القيادى الناصرى الراحل مصطفى الغزاوى والنائب الناصرى الراحل محمد عقل جلسة طويلة حكى فيها أسراراً عديدة وكان ذلك بعد آخر أجزاء «الهجان» ونشرناه فى مجلة الكلية وقتها)، فى نشر قصة «الهجان» مسلسلة بمجلة المصور وما أحدثته من ضجة كبيرة وما تلاها من عرض المسلسل التليفزيونى الذى أبهر الملايين من المحيط إلى الخليج واستبقاهم فى منازلهم وقت عرضه ومنذئذ والموساد الإسرائيلى فى حالة ارتباك لم يسبق لها مثيل وكانت سفارة العدو فى القاهرة فى وضع بئيس لا تعرف ماذا تقول ولا بماذا ترد حتى جاء الرد الرسمى من جانب الموساد فى البداية بتعليق مختصر هو «إن هذه المعلومات التى أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هى إلا نسج خيال، ورواية بالغة التعقيد، وإن على المصريين أن يفخروا بنجاحهم فى خلق هذه الرواية»!!! ولكن ومع ضغوط الصحافة الإسرائيلية والرأى العام هناك قال رئيس الموساد الأسبق، إيسر هاريل، حرفياً: «إن السلطات كانت تشعر باختراق قوى فى قمة جهاز الأمن الإسرائيلى، ولكننا لم نشك مطلقاً فى جاك بيتون»، وهو الاسم الإسرائيلى لـ«الهجان»!!! وبدأت الصحافة الإسرائيلية ومنذ العام التالى لإذاعة المسلسل، أى عام 1988م، تحاول التوصل إلى حقيقة «الهجان» فقامت «الجيروزليم بوست» الصهيونية بنشر ما يفيد حرفياً: أن «جاك بيتون» أو «رفعت الجمال» يهودى مصرى من مواليد المنصورة عام 1919 وصل إلى إسرائيل عام 1955 وغادرها للمرة الأخيرة عام 1973 واستطاع أن ينشئ علاقات صداقة مع عديد من القيادات فى إسرائيل منها جولدا مائير، وموشى ديان، وبعد سنوات قام صحفيان إسرائيليان، وهما إيتان هابر ويوسى ملمن، بإصدار كتاب بعنوان «الجواسيس» وفيه قالا إن أغلب ما نرى من التفاصيل التى نُشرت فى مصر عن شخصية «الهجان» صحيحة ودقيقة!!! أما عن معلومات «الهجان» فى حروب 56 و67 و73 فمن الثابت تاريخياً وحتى درامياً أن معلوماته كانت دقيقة وشاملة، وأنه من غير المنتظر أن يحصل على موعد الحرب دون تفاصيلها، وكانت أيضاً صحيحة، وهو السبب الذى من أجله استمر «الهجان» فى عمله بغير تقاعد، أما الأكثر حسماً فكانت خرائط خط بارليف التى أرسلها كاملة بما فيها التحصينات الخطرة والمهمة!!
المدهش هو ما تردد عن شبكات كاملة تركها «الهجان» فى الأرض المحتلة لم يتم الكشف عنها، ولأن آفة الكذب النسيان فقد نسى الموساد كل ما سبق ولم يكن لديهم أى مبرر للإبقاء على أكاذيبهم حتى وفاة «مردخاى شارون»، حيث إن مصر نفسها أعلنت عن العملية وأذاعت المسلسل وأغلب أبطالها على قيد الحياة!
الموساد نسى أيضاً وصية رأفت الهجان أو رفعت الجمال وكانت حرفياً عند محاميه الألمانى كما يلى: «هذه وصيتى أضعها أمانة فى أيديكم الكريمة.. السلام على من اتبع الهدى.. بسم الله الرحمن الرحيم إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لقد سبق وتركت معكم ما يشبه وصية وأرجو التكرم باعتبارها لاغية وهآنذا أقدم لسيادتكم وصيتى بعد تعديلها إلى ما هو آتٍ: فى حالة عدم عودتى حياً أرزق إلى أرض الوطن الحبيب مصر أى أن تكتشف حقيقة أمرى فى إسرائيل وينتهى بى الأمر إلى المصير المحتوم الوحيد، فى هذه الحالة وهو الإعدام شنقاً فإننى أرجو صرف المبالغ الآتية: لأخى من أبى سالم على الجمال، القاطن بـ... برقم... شارع الإمام على مبلغ... جنيه. أعتقد أنه يساوى إن لم يكن يزيد على المبالغ التى صرفها علىّ منذ وفاة المرحوم والدى عام 1935 وبذلك أصبح غير مدين له بشىء.
لأخى حبيب على الهجان، ومكتبه بشارع عماد الدين رقم... مبلغ... كان يدّعى أننى مدين له به، وليترحم علىّ إن أراد.
مبلغ... لشقيقتى العزيزة... حرم الصاغ... والمقيمة بشارع الفيوم رقم... بمصر الجديدة بصفة هدية رمزية متواضعة منى لها، وأسألها الدعاء لى دائماً بالرحمة.
المبلغ المتبقى من مستحقاتى يقسم كالآتى: نصف المبلغ لـ... نجل الصاغ... وشقيقتى... وليعلم أننى كنت أكن له محبة كبيرة. النصف الثانى يصرف لملاجئ الأيتام، بذلك أكون قد أبرأت ذمتى أمام الله، بعد أن بذلت كل ما فى وسعى لخدمة الوطن العزيز والله أكبر والعزة لمصر الحبيبة إنا لله وإنا إليه راجعون»!!
يبقى من الأمر كله الدرس منه.. ففى حين يحاول العدو سرقة عمل وطنى مخابراتى كبير وفى محاولة منه لإفساده وإفساد فرحة المصريين والعرب به، وفى محاولة حقيرة للتأثير على الروح المعنوية لنا وتحويل انتصاراتنا وضرباتنا الكبرى إلى العكس.. نجد من يحتفلون سنوياً مع هذا العدو الحقير باحتفالاته بنكسة 67 ويصنعون منها زفة سنوية لمجرد محاولتهم الانتقام من الزعيم جمال عبدالناصر وتشويهه، لا شىء يفعلونه طوال العام وفى 5 يونيو تحديداً وبمناسبة وبغير مناسبة أكثر من الهجوم على 67 رغم مرور نصف قرن كاملة عليها وتبعتها حربا الاستنزاف وأكتوبر نال العدو فيهما ما ناله ودون أن يدروا جميعاً أنهم يقدمون للعدو خدمات جليلة ويرسلون رسائل سلبية للأجيال الجديدة مفادها أن تاريخنا هزائم ونكسات، بينما يفعل العدو العكس تماماً فليس فقط يسفه من انتصاراتنا بل يحاول سرقتها كاملة!!!!!
سامحكم الله جميعاً..