من أين تنبع قوة المرأة؟.. من القهر أم من المرض؟.. من الخوف والوحدة أم من الفقر والحرمان؟.. كيف يتحول ذلك الكائن الرقيق إلى محارب شرس فى وجه الظلم والاستبداد والطغيان؟.. ولماذا يدافع عن «رسالة» كفر بها الرجال هرباً من المواجهة؟.
فى اليوم الدولى للمرأة سأتوقف معكم أمام نماذج من النساء حملن قضايا شائكة، اعتبرها الرجال مجرد مادة لجلسات النميمة والتعجّب، واجهن -كالرجال- بصدور عارية أكثر التنظيمات الإرهابية.. إنهن -ببساطة- اخترن الحياة حين لم يصبح أمامهن اختيار سوى الموت!.
لأنها كانت تؤمن أن العالم يتغير من هناك، من مواجهة آلة الحرب الهمجية.. هربت «سيلهان أوزليك» من منزلها فى لندن، حملت سنوات عمرها الـ17، ومشاهد الجرائم الوحشية التى يرتكبها مقاتلو تنظيم داعش فى مدينة «كوبانى» على الحدود مع تركيا، وحلم يتشبث بأصولها الكردية.. وسافرت إلى سوريا لتنضم إلى صفوف المقاتلين الأكراد لمحاربة «داعش»!. إنها أول بريطانية تنضم إلى كتائب المحاربين ضد «داعش»، «أوزليك» هزمت الخوف، ضحت بأنوثتها ومستقبلها لتنتصر «الإنسانية» على الإرهاب.. حتى لو ماتت شهيدة، ستبقى رمزاً للتضحية والمقاومة، لأنها سجّلت أول تأشيرة هجرة من عالم الخضوع والخنوع.. وقرّرت أن تبادر وتشارك بعمرها.
سوف يحدثونك اليوم كثيراً عن المساواة بين الجنسين، عن تمكين المرأة من مراكز صنع القرار، عن وقف العنف ضد المرأة وتأنيث الفقر، ومناهضة الاتجار بالنساء.. ستسمع كلاماً و«طنطنة» فارغة عن مبادئ اتفاقية الأمم المتحدة «سيداو» للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، والقضاء على جميع الممارسات الضارة، مثل: زواج الأطفال والختان والزواج القسرى.. لكن حالة واحدة من لحم ودم تؤكد أن «المرأة» حقّقت بنفسها ما لم تحققه الاتفاقات الدولية. حدّدت الأمم المتحدة عام 2004 عاماً لمقاومة مرض «الإيدز» فى احتفالها بيوم المرأة، لكنها لم تنتبه إلى أن «السرطان» يلتهم أمومة النساء، (سرطان الثدى والرحم ينتشران بنسبة أكبر)، يسرق منهن أنوثتهن التى تتلاشى حتى دخول القبر.
وحدها حملت عبء «التوعية» من مرض السرطان.. حذفت من أبجدية أنوثتها النهدين والمبيضين، وقررت أن تمنح الإنسانية ما تبقى من روحها المقاتلة.. قررت أن تكون «إنسانة» قبل أن تكون «أنثى»، أن تكرس ثروتها ونجوميتها وأنفاسها المتبقية على الدنيا للمحرومين والمقهورين فى كل مكان.. أن تغلف قلبها بأوراق الورد وتوزعه على ضحايا الحروب والمجاعات والإيدز. هى ليست امرأة عادية، إنها لؤلؤة متوهجة فى عالم «هوليوود».. لم تكن «أنجلينا جولى» تعرف أنها حاضنة للجين المتحور (BRCAI)، وفى حال لم تستأصل ثدييها فإن نسبة إصابتها بمرض سرطان الثدى تبلغ 87 فى المائة، وذلك بسبب الجين المسبب للمرض، الذى ورثته من والدتها.. وقد توفيت والدتها فى سن الـ56 عاماً بعد إصابتها بالسرطان.
العالم الذى صُدم بقرار «جولى» لم يرَ الوشم الذى حفرته على ذراعها باللغة العربية: «عزيمة».. ولم يدرك أن قرار المرأة «الأكثر تأثيراً على مستوى العالم» سيزيد من نسبة إقبال النساء على الكشف المبكر عن السرطان.
كرّست «أنجيلينا جولى» حياتها، أو ما تبقى من حياتها، للأعمال الإنسانية، وعُيّنت سفيرة نوايا حسنة للمفوضية السامية للاجئين التابعة للأمم المتحدة.. وقامت بزيارة مخيمات اللاجئين فى أكثر من عشرين دولة.. وكأنها فى حالة تماثل مع «الأم تريزا»!. لو لم تكتب السينما الخلود لـ«جولى»، فستبقى خالدة بمؤسستها الخيرية، وبالأطفال المشردين الذين احتضنتهم ووهبتهم أمومتها.
قد تجد «جولى» الغد يتجسد فى أطفالها بالتبنى، لكنها قطعاً لم تعد تحلم، وفى المقابل هناك من يرى الغد كله فى «وطن حر»: إنها «نادية مراد طه» الشابة الإيزيدية، الهاربة من جحيم «داعش».. صاحبة الواحد والعشرين عاماً دون ربيع، طافت العالم وهى تحبس دموعها لتفضح ممارسات تنظيم داعش الإرهابية ضد النساء الإيزيديات.
فى أغسطس 2014، جاء رجال تنظيم داعش واختطفوا «نادية» مع بنات القرية، ونقلوها إلى مبنى فى الموصل معقل «التنظيم» فى العراق.
وفى غرفة ضيقة وجدت الفتاة الإيزيدية نفسها مرغمة على وضع مساحيق التجميل، والامتثال لشهوة مجنونة تلتهم جسدها نيّئاً.. وفى تلك الليلة الرهيبة «فعل فعلته». فى أول مرة حاولت «نادية» الهرب، كان عقابها الاغتصاب الجماعى من الحراس، حتى أُصيبت بالإغماء.. يا ضمير العالم: (أتوسل إليكم اقضوا على داعش تماماً)!.
هل كثير على العالم، الذى اجتمع فى الأمم المتحدة ليناقش جرائم الاتجار بالبشر، أن يتحرك لوقف الإبادة الجماعية للأقلية الإيزيدية؟؟.
كانت «نادية» بصمتها تصرخ فينا: هل هذا إسلامكم؟!.. واليوم ستجد الاحتفالات والندوات تتحدث عن إنجازات المرأة، عن المساواة التى تحققت، والعدالة التى تسود العالم.. إنه عالم بلا قلب.. بلا ضمير.. لأن القلب والضمير والعزيمة حكر على النساء.