نحن لا نولد مرة واحدة وليس من رحم الأم ولكن من رحم المعاناة نولد أكثر من مرة ومن رحمه ونور العشق نولد بالاختيار وكأننا لم نولد من قبل وننتمى بكل نقاء إلى الإيمان والحب والعفو ونرتقى وننجو من ظلمات الحقد والكراهية والوصم والماضى ونتوضأ من أنهار من الصفاء والرضا والتسامح ونواجه باعتداد واعتلاء القامة لا ننحنى مهما كانت شدة رياح القسوة والخذلان، الحب يحررنا ويعتقنا من نيران مستعرة ويقينا من عبودية الظلم وسوء الظن برحمة الله، العشق هو العصا السحرية التى يلقيها الله إلينا لننتقم من العذاب والخوف والقلق وتهدينا المحبة والثقة والأمان، رواية الحب المحرر للكاتبة الأمريكية فرنسين ريفرز إحدى أشهر الكاتبات فى أمريكا وإحدى أشهر روائيى قصص الحب قدمت فى هذه الرواية التى ترصد جزءاً من الحياة فى كاليفورنيا عام 1850، هى رواية تقدم بصدق معنى اكتشاف الحياة، وتأخذنا إلى عوالم وأحداث وبشر كان فيها رجال يبيعون أنفسهم لأجل كيس من الذهب ونساء يبعن أجسادهن لأجل مكان يبتن فيه، رغم ما تسجله هذه الرواية من مآسٍ وما ترصده من نفايات بشرية إلا أنها تصل بالقارئ إلى يقين أن بعض المحبين أقرب إلى الصورة الذهنية من الملائكة أو أقرب إلى الرسل والأنبياء فى عظمة العطاء والتسامح، ترصد الرواية المجتمع الأمريكى قبل 1850 من خلال طفلة جميلة لم تر أباها ولكنها تحبه من حكايات أمها (مى) الجميلة التى تعشقها وتعشق الحياة الهادئة فى بيت له حديقة بها أجمل الزهور وفى سن الثامنة زينتها أمها فى أجمل صورة، لأن الأب مقبل أخيراً ليراها وكانت صدمتها أنه وقف متحجراً رافضاً وجودها، وسمعت حوار أمها مع أبيها وأدركت أنه ما كان يجب أن تولد، فالأب رافض لها لأن له زوجة شرعية وأبناء وهو يريد الأم دون الابنة، وكان هذا الحوار أول صدمة وعنف تعيشه طفلة صغيرة لم تدرك الحياة بعد، وحسمت الأم أمرها وأخذتها وتركت الحياة المريحة، وقالت لسارة سنذهب إلى بيت جدك وسيسامحنى ولكن رياح الظلم استمرت بل أصبحت أقوى وأصعب، حيث رفض الجد استقبال مى وابنتها وقام بطردهما من البيت، ولما كانت الأم لا تملك إلا القليل من المال فقد استقر بها الحال على مرفأ ميناء فى كوخ جعلها فريسة للرجال، فكانت تبيع جسدها وفى آخر الليل تمسك سبحتها وتبكى وتناجى الله وكانت سارة تنظر إلى أمها باعتبارها مجنونة، كيف يكون لها رب ويتركها فى العراء، وبعد أشهر قليلة ماتت الأم وعُرضت سارة للتبنى، لكنها عندما دخلت القصر الكبير انقبض قلبها وكانت الفاجعة أن الدوق صاحب القصر يهوى اغتصاب الصغيرات بل ويقدمهن هدايا لأصدقائه، فبيعت للبغاء منذ الثامنة، وصارت تستمد قوتها للحياة عبر إشعال كرهها وحقدها وأكثر ما تكرهه هو الرجال، حاولت الهرب كثيراً حتى نجحت أخيراً لتجد نفسها فى دار دعارة، وكانت الدوق قد سماها «إنجل» فصارت لا تذكر اسمها الحقيقى وبينما كانت تمشى إحدى المرات فى الشارع غاطسة فى السواد وكأنها أرملة رآها «مايكل» لأول مرة، وسمع صوتاً يقول له: هذه هى يا عزيزى، وعندما علم من هى لم يتراجع بل ذهب ودفع الذهب إلى صاحبة القصر وصعد إليها وبدأت دورة ترويضها، وواجه كل الرفض منها، فقد كانت فى استغراب من أمره أنه يدفع كل ما لديه من ذهب ليقول لها كلاماً تراه جنوناً، ثم يطلب منها أن تتزوجه وكل مرة تزداد رفضاً وعناداً، وفى أحد الأيام أحس مايكل أنها فى خطر، فذهب إلى القصر مسارعاً وسمع أصوات ضرب مبرح، فقد ضربوها لأنها كثيرة الاعتراض وقام بوضع خاتم الزواج فى أصبعها وهى بين الحياة والموت، وقال لها هذا خاتم أمى وأنا أريدك زوجة، فى الريف حيث يملك حقولاً ويقوم بزراعتها بقيت ثلاثة أشهر طريحة الفراش وهو يعالجها ويخدمها، وعندما تعافت كانت تسأله لماذا تفعل كل ذلك ليس عندى مقابل لأقدمه، وكان يبتسم ويرد لأن الله أودع حبك فى قلبى، وحاول بكل التسامح تحمل ما تفعله به ولكنها قررت الهروب والعودة مرة أخرى إلى القصر، وعاد بها وعاودت الهروب وأعادها مايكل ولما أدركت أنها تحبه فعلاً طلبت منه أن يتركها لتتزوج من تستحق وهربت مجدداً، هذه المرة لم يسع خلفها فكان هناك صوت يقول له اتركها تذهب وإن عادت فسيكون بإرادتها، عثر عليها الدوق وسحبها إلى قصره ووجدت نفسها لأول مرة تردد أدعية زوجها وتطلب من الله أن ينقذها، وأوكل إليها الدوق مهمة رعاية الصغيرات الجدد، وكانت البداية بحفل كبير دعا فيه جميع الأصدقاء، وفى الحفل طلب منها أن تظهر على المسرح وتغنى وعندما صعدت إلى المسرح وجدت نفسها تغنى ترانيم زوجها، ثم فضحت أمر الدوق وصادفت من يحميها من بين الحضور وأخذها والصغيرات إلى منزله وزوجته أقنعته بإنشاء دار مأوى للفتيات وتعليمهن، وبعد ثلاث سنوات فوجئت بمن يخبرها أن زوجها ما زال ينتظرها فعادت وقامت بتعمير الوادى وبناء مدارس وكنائس وأصبحت عائلة غنية، وبعد سبع سنوات أنجبت أربعة أطفال أصبحوا أطباء وسفراء وضابطاً كبيراً كثير الأوسمة، وعندما مات الزوج لحقت به سارة بعد أقل من شهر وكانت قد كتبت على قبرها لأن سقطت سقوطاً ذريعاً فقد أنهضها الله بالنعمة وأحلها مكاناً رفيعاً فكانت أنجل ملاك الرحمة، هذه الرواية تؤكد أن الأدب ليس له جنسية أو وطن، وأن المعانى السامية هى معان لكل البشر.