مشاهد الخبز كانت مرعبة.. قرار اتخذته وزارة التموين بتعديل الكارت الذهبى للمخابز البلدية المدعمة العاملة بمنظومة الخبز بجميع المحافظات ليصبح 500 رغيف بحد أقصى يومياً، تسبب فى أزمة كبيرة، حين لجأ أصحاب المخابز إلى تخفيض حصة الخبز اليومية المخصصة لكل مواطن من 5 أرغفة إلى 3 أرغفة. مشاهد عديدة نقلتها برامج التوك شو، وأخرى تداولتها مواقع إعلامية على شبكة الإنترنت تعكس حالة الغضب التى اجتاحت المواطنين داخل العديد من المحافظات بعد هذا القرار. فيديو بثه الإعلامى وائل الإبراشى يصوّر امرأة ظلت تصرخ محتجة على القرار حتى أغمى عليها، وكان من حولها مجموعة أخرى من السيدات يصرخن، مشهد آخر نقله أحد المواقع من الإسكندرية يصور تجمع مئات السيدات والرجال حول أوتوبيس نقل عام ليقطعوا الطريق عليه، تعبيراً عن غضبهم من القرار الذى اتخذه وزير التموين القادم من عصر «مبارك»!.
فى تقديرى أن مشاهد الخبز تعبر عن حدث نوعى فارق من عدة نواحٍ، الحكومة -على لسان وزير التموين- أكدت أن الأزمة افتعلها أصحاب المخابز، وأن القرار الذى اتخذته هدفه وقف عمليات الإهدار والسرقة من أموال دعم الخبز. الإجراء يبدو سليماً إن كان غرضه الإصلاح، لكن أسلوب تفعيله لم يراعِ أن الناس لم تعد تحتمل أى «حكة فى مناخيرها» حتى ولو كانت صغيرة، بعد أن أصبحت تطفح المرار ليل نهار نتيجة ارتفاع الأسعار، وقد طالت المسألة هذه المرة الفقراء، الذين حرصت الحكومة على الابتعاد عن «خبز يومهم» قدر ما تستطيع، خلال الأشهر الماضية، فى وقت ركزت فيه على ذبح الطبقة الوسطى. الأمر الثانى الذى يدفعنا إلى وصف هذا الحدث بـ«الفارق» يرتبط برد فعل المواطنين البسطاء عليه، إذ تدفق المئات منهم إلى الشوارع داخل العديد من المحافظات تعبيراً عن غضبهم، ووصل الأمر ببعض السيدات إلى اللطم فى الشوارع ولعن العيشة واللى عايشينها. رد فعل فقراء المصريين جاء مختلفاً عن حالة الغضب المكتوم الذى قابلت به الطبقة الوسطى الإجراءات الحكومية التى أنهكتها، ووضعنا أمام مشهد جديد.
للمصريين عبارة مأثورة يقولون فيها: «عُض قلبى ولا تعض رغيفى». عندما يصل قهر المواطن إلى مرحلة حرمانه من رغيف الخبز فنحن أمام خطر شديد، وأظن أن مؤشرات الغضب على قرار «الرغيف» واضحة لا تخطئها عين، وهى تتطلب قراراً عاجلاً، على أعلى المستويات، يتعامل بصورة مباشرة مع سبب المشكلة، سواء تحدد فى وزارة التموين أو فى أصحاب المخابز. لقد تحمل المواطن الكثير من حكومة تفترسه يومياً بقرارات جديدة عجيبة. وصول الأمر إلى رغيف الخبز يعنى أننا أمام مشهد مختلف. إن المصريين يطلقون على الخبز وصف «عيش»، خلافاً لكل شعوب الدنيا، وعلى ما فى هذا الوصف وتلك النظرة إلى «الرغيف» من معايب، إلا أنها تبدو طبيعية فى ظل تاريخ القهر الذى عانى منه المصريون على يد حكومات حولتهم إلى «ميتين بالحياة»، لذلك عليك ألا تستغرب عندما أقول لك إن الحكومة قررت قتل الفقراء، لأن جور «وزير الرغيف» على خبز الفقراء يعنى «قتل العيش»!.