هذه شهادة قررت أن أسجلها أمام الرأى العام، وأعلم أنها ستغضب دوائر قريبة منى وأخرى بعيدة عنى. هذه شهادة أسجلها عن حوارات دارت بالفعل أمس الأول بينى وبين عدد من السياسيين والحزبيين والنشطاء أحترمهم جميعا، بعد أن أعلنت (مؤيدا بقرار بالإجماع من المكتب السياسى لحزب مصر الحرية) عن مشاركتى فى اجتماع برئاسة الجمهورية بشأن السد الإثيوبى ونتائجه المحتملة على مصر وسبل التعامل معها.
شهادة عن النزوع المريض للمزايدة السياسية والحزبية على حساب مصالح الوطن وعن الاستعداد لدى بعض المنتمين للتيارات الليبرالية واليسارية المعارضة (مجددا أؤكد تقديرى لهم جميعا) للتشكيك فى الوطنية وللتخوين عند الاختلاف فى الرأى والموقف بحيث تتماهى هذه المجموعة من الليبراليين وممثلى اليسار مع بعض فصائل اليمين الدينى التى تخون أيضاً عند الاختلاف وتضيف الاستدعاء الزائف للدين.
شهادة عن الخطيئة الكبرى التى يقع بها هذا البعض المزايد بين الليبراليين وفى صفوف اليسار بالخلط بين أولوية الدفاع عن مصالح الوطن والإسهام فى ذلك مع الإدارة الرئاسية الحالية شريطة توافر الشفافية والجدية وبين المطالبة بكل الوسائل السلمية والديمقراطية بانتخابات رئاسية مبكرة لتغيير رئيس فقد، فى نظرى، الشرعية الأخلاقية والسياسية. وكأن ملف السد الإثيوبى بنتائجه السلبية على مصر (إن ثبتت) عليه أن ينتظر حتى تنتهى صراعاتنا السياسية فى الداخل. وكأن هدف المعارضة الوحيد هو الانتخابات الرئاسية المبكرة ولتذهب مصالح الوطن إلى الجحيم، أو على الأقل إلى حين تحقق الهدف الوحيد هذا.
شهادة عن رداءة السياسة حين تغيب عنها معايير النظر والتقييم الموضوعى، فتمتنع أحزاب ترفع يافطات مصلحة الوطن والديمقراطية والمواطنة والتعددية والتقدم والعدالة ولأسباب واهية عن المشاركة فى اجتماع بالرئاسة بشأن ملف أمن قومى ومع توافر عناصر الشفافية والجدية. حين رفضت المشاركة فى الحوار مع رئيس الجمهورية بشأن أزمة الجنود المختطفين فى سيناء، كان السبب الرئيسى لرفضى هو غياب الشفافية عن كافة ملفات سيناء خلال الأشهر الماضية ومن ثم غياب جدية الرئاسة فى التعامل مع المعارضة كشريك حقيقى. لذا، أخلاقيا ووطنيا وسياسيا، لم يكن لى أن أرفض دعوة الرئاسة لاجتماع بشأن السد الإثيوبى تعرض به التقارير المعلوماتية الضرورية وبعد إخبارى الرئاسة بأن الالتزام بالشفافية حتمى لإدارة اجتماع ناجح.
شهادة عن السياسة المسئولة التى تتوارى فى الكثير من الأحيان إزاء الصخب اللفظى للمزايدين وللمزايدات وهستيريا التخوين، فتغير أحزاب قررت المشاركة فى حوار السد الإثيوبى مواقفها ويطالب بعض أعضاء المكتب السياسى لحزب مصر الحرية الذى أنتمى له وبعد قرار قبول المشاركة بالإجماع بتغيير الموقف والامتناع عن المشاركة. لن أتورط أبدا فى سياسة غير مسئولة تتجاهل مصالح الوطن خوفا من صخب لفظى، لن أتورط أبدا فى التخلى عن قناعاتى ومبادئى وتقديرى لمصلحة مصر وإن كلفنى هذا عضوية حزب أو جبهة أو رضاء بعض قطاعات الرأى العام.
شهادة عن خطيئة كبرى أخرى يدفع لها صخب المزايدة تتمثل فى قدرة بعض المعارضين على الإسهام الفعال فى حماية مصالح الوطن بأفكار واقتراحات وخبرات وامتناعهم عن تقديمها لكى لا يستفيد منها رئيس منتخب نريد تغييره عبر انتخابات رئاسية مبكرة. هنا سقوط كامل أتمنى أن لا أنزلق إليه أبدا، فأنا وككل مصرية ومصرى أظل دوما رهن إشارة الوطن ورفعته هى أسمى ما أسعى إليه. بمشاركتى فى اجتماع الرئاسة بشأن السد الإثيوبى، وأنا الآن فى الطريق إليه، لا أقدم فروض الولاء أو الطاعة لرئيس أطالب بوضوح بتغييره ديمقراطيا. بل أقدم فروض الولاء والطاعة لوطنى وأجتهد قدر استطاعتى وعلمى وخبرتى لحماية مصالحه.
شهادة عن تهافت المزايدة على صخبها وعن رداءة السياسة، وعن استعدادى الكامل للانسحاب منها إن استمرت هستيريا التخوين وتراجعت إمكانية ممارسة السياسة المسئولة. ولن يأتى مثل هذا التطور الشخصى الذى باتت احتماليته تتصاعد كاستقالة من الشأن العام، بل كتغيير لمساحة الفعل والفاعلية بعيدا عن سياسة رديئة وباتجاه إسهام مجتمعى أشمل.