تصريحات مثيرة جاءت على لسان الدكتور على مصيلحى وزير التموين لصحيفة «المال» حول أزمة رغيف الخبز، جاء فيها: «لا تراجع عن قرار تخفيض حصة الكارت الذهبى للمخابز من 3 آلاف رغيف إلى 500 رغيف فقط، ومحدش هيلوى دراعنا، لن يتم الضغط على الحكومة، وما حدث هو عودة الحق لأصحابه». ما استوقفنى فى هذه التصريحات هو عبارة «محدش هيلوى دراعنا»، فهى عبارة من الزمن المباركى بامتياز، أذكر جيداً أنها وردت لأول مرة على لسان يوسف بطرس غالى، فى سياق تعليقه على المظاهرات الاحتجاجية لموظفى الضرائب العقارية التى اندلعت قبل ثورة يناير بعدة شهور.
أىّ رغبة فى الإصلاح واجبة الاحترام، ووزير التموين يؤكد أنه يصحح بالقرار الذى اتخذه وضعاً خاطئاً، وهو أمر لا غبار عليه، لكننى أتحفظ على أمرين، أولهما الأسلوب الاستفزازى الذى يعتمده الوزير فى تصريحاته، فمرة يقول إنه فرح بأزمة الخبز لأنها ساعدته على تحديد أولويات الوزارة، وهى عبارة تعكس ركاكة فى الأداء، وانتظاراً للأزمات -وليس توقعاً لها- حتى تعرف الوزارة أولوياتها وجدول تحركاتها، ثم فاجأنا بعدها بحدوتة «الدراع اللى ما بيتلويش»، وكأن الإدارة فى مصر بـ«الدراع»! وهو أسلوب لا يليق أن يتحدث به وزير إلى الرأى العام.
الأمر الثانى الذى يدعونى إلى التحفظ على تصريح «الدراع» أن الدكتور على مصيلحى لم يحدد لنا «دراع من يقصد؟». وكل ما أخشاه فى هذا السياق أن يفهم من كلامه أنه يقصد «دراع المواطن»! والسبب فى ذلك أن العديد من المواطنين هم الذين خرجوا معبرين عن غضبهم إزاء القرار الذى اتخذه الوزير، وكان مردوده عليهم الحصول على عدد من الأرغفة أقل من الحصة التى اعتادوا الحصول عليها. المواطنون هم الذين غضبوا، وتظاهروا، وصرخوا، واحتجوا، تماماً كما صرخ عام 2010 موظفو الضرائب العقارية، فخرج عليهم يوسف بطرس غالى ليقول العبارة المباركية الشهيرة «محدش هيلوى دراعنا»، وأنت تعلم تفاصيل ما جرى بعد انقضاء عام 2010.
ربما كان الوزير يقصد أصحاب المخابز بكلامه هذا، لكن ذلك لا يشفع له عند المواطن، لأن المواطن لا يعرف سوى الحكومة، ومؤكد أنه يرحب بأى خطوات تحمى مال الشعب، لكنه يغضب عندما تتركه الحكومة فريسة لصاحب المخبز، لينتقم منه، اعتراضاً على إجراءات سلبية اتخذتها الحكومة ضده. كان مطلوباً قبل اتخاذ قرار تخفيض حصة المخابز من 3000 رغيف إلى 500 أن تفهم الحكومة أن المسألة لا تعكس عدم وجود حاجة إلى الخبز من جانب من يستغنون عن جزء من حصتهم منه، لأن النسبة الغالبة التى تفعل ذلك تلعب «لعبة التباديل والتوافيق» حتى تتمكن من العيش، فتوفر فى استهلاكها من الخبز، بهدف الحصول على سلع بديلة تحتاج إليها.
المسألة «مش لوى دراع»، وظهور الحكومة بمظهر «الفتوة» أمر لا يليق، ولا يصح أن تصدر عبارات من هذا النوع على لسان واحد من مسئوليها، خصوصاً أن الحكومة التى تستأسد على المواطن «الغلبان» تتحول إلى «نعامة» عندما يتعلق الأمر ببعض رجال الأعمال، أو بعض المفسدين من المسئولين، أو محتكرى السلع والمتحكمين فى الأسواق. لقد أثبتت ثورتا يناير ويونيو أن الذى لا يُلوى حقيقة هو «ذراع الشعب»، أما ذراع الحكومة فيلوى حتى القضم!