فى كتابه المعنون «حمارى قال لى»، عبر الكاتب والأديب الكبير توفيق الحكيم عن رأيه بشأن تعيين المرأة فى سلك القضاء. ومن المعروف أن «الحكيم» قد اشتغل فى بداية حياته بالنيابة العامة، قبل أن يستقيل منها للعمل فى وزارة المعارف، ولذلك تتميز بعض كتاباته ورواياته بإلقاء الضوء على بعض الجوانب ذات الصلة بالوظيفة القضائية، كما هو الشأن فى روايته «يوميات نائب فى الأرياف» وكتابه «حمارى قال لى». وتحت عنوان «حمارى والقاضية»، يتصور توفيق الحكيم جلسة قضائية فى محكمة ترأسها امرأة، وأن هذه المرأة منتدبة قاضية للإحالة وهى تنظر فى إحدى الجنايات المهمة، متصدرة القاعة على المنصة، متوشحة الوسام الأحمر فوق رداء أسود. وكان المحامى شاباً وسيماً من الذين يحسنون تلميع شعورهم وتنعيم وجوههم وتنغيم أصواتهم، فوقف متجهاً بكل جوارحه نحو القاضية، مترافعاً عن موكلته المتهمة بقتل زوجها بالسم، لتتزوج من عشيقها. وقد لعب المحامى فى مرافعته على وتر عاطفة المرأة لدى القاضية، الأمر الذى وجد صدى لديها، فتفاعلت مع المرافعة متأثرة بها. ويبدو أن «الحكيم» قد أراد أن يظهر المرأة بمظهر العاطفية التى لا تصلح للعمل بوظيفة القضاء.
وتجدر الإشارة إلى أن الطبعة الأولى من كتاب «حمارى قال لى» يعود تاريخها إلى سنة 1945م، أى منذ ما يربو على سبعين عاماً. ورغم مرور أكثر من سبعة عقود على ظهور الكتاب المذكور إلى النور، ورغم أن المرأة قد تبوأت منصة القضاء بكافة درجاته وأنواعه فى العديد من الدول العربية، إلا أنها ما زالت بعيدة عن التعيين فى النيابة العامة والقضاء الإدارى المصرى حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
قد يقول قائل إن المادة الثانية من الدستور تنص على أن الإسلام دين الدولة ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، وأن مذهب جمهور الفقه يقول بعدم جواز تولية المرأة القضاء. والرد على ذلك هو أن المسألة محل خلاف. إذ ينادى بعض الفقهاء، كابن حزم الظاهرى وابن جرير الطبرى، بأن من الجائز شرعاً جلوس المرأة على منصة القضاء. ويتوسط الإمام أبوحنيفة بين الرأى القائل بالمنع المطلق والرأى القائل بالجواز المطلق، فيذهب إلى تولى المرأة القضاء فى غير مسائل الحدود.
وعلى كل حال، فقد تم حسم هذا الخلاف الفقهى بمقتضى المادة الحادية عشرة من الدستور المصرى الحالى لعام 2014م، التى تنص على أن «تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفقاً لأحكام الدستور». ولم يكتف المشرع الدستورى بالنص على هذا المبدأ العام، وإنما تقرر الفقرة الثانية من المادة ذاتها أن «تعمل الدولة على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية، على النحو الذى يحدده القانون، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها».
وهكذا، يكفل الدستور صراحة للمرأة حقها فى التعيين فى الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها. وقد وردت عبارة «الجهات والهيئات القضائية» مطلقة، والقاعدة التفسيرية تقول إن العام يبقى على عمومه والمطلق يظل على إطلاقه ما لم يرد ما يخصصه أو يقيده. فلا يجوز إذاً أن تظل المرأة محرومة من التعيين فى النيابة العامة والقضاء الإدارى، رغم مرور أكثر من ثلاثة أعوام على إقرار الدستور. بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة المرأة يمكن أن تكون عاملاً مساعداً فى نجاح تجربة «نيابة الطفل» و«محكمة الطفل»، كما أن تعيينها بالنيابة العامة يسهم بلا شك فى تفعيل الإشراف القضائى على السجون النسائية.
وفى الختام، ربما يكون إعلان العام 2017 عام المرأة المصرية فرصة مناسبة لتفعيل الفقرة الثانية من المادة الحادية عشرة من الدستور، التى تكفل للمرأة حق التعيين فى الجهات والهيئات القضائية. والله من وراء القصد..