مصر 1974: لاحظ علماء المصريات أن مومياء رمسيس الثانى فى تدهور سريع، فقرروا إرسالها لفرنسا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، تم استخراج جواز سفر للمومياء بمهنة «ملك سابق»، وعليه قامت فرنسا باستقبال المومياء استقبالاً رسمياً كاملاً، مع موكب عسكرى، وموسيقى عسكرية، احتفالاً بوصول الملك، كما هو متعارف عليه مع الملوك.
مصر 2017: استخراج رأس تمثال لرمسيس الثانى من قلب المياه الجوفية بحى المطرية، من المكان الذى يستقر به معبد أون التاريخى، بآلات حفرية أثارت تساؤلات الكثيرين، وتُرك رأس التمثال الملكى فى الشارع، لتلتقط عدسات الصحف مجموعة من الصور المثيرة لأطفال تجمعوا حول رأس التمثال، وبعضهم ركب فوقه، ورجل يتفقد أذن الملك، تجمع فيما بينها مشهداً شديد الكوميدية.
الفارق الزمنى بين العامين (1974 و2017) يحمل فى طياته فارقاً نوعياً آخر بين الطريقة التى تعاملنا بها بالأمس والأسلوب الذى نتعامل به اليوم مع ميراثنا الفرعونى. واقع الحال يقول إننا تعاملنا بصورة تعكس وعياً بمعطيات ونتاج هذه الحضارة عام 1974، فاستخرجت مصر جواز سفر «ملك سابق» لمومياء رمسيس الثانى، فى حين تعاملنا بطريقة عجيبة، يصح أيضاً أن نصفها بـ«المتخلفة» مع تمثال الملك الذى عثرنا عليه عام 2017. الأداء المتخلف يمكن أن نرصده من خلال مؤشرين: المؤشر الأول يتعلق بأسلوب المسئولين فى التعامل مع الحدث، أما المؤشر الثانى فيتصل بطريقة تعامل المعارضين للنظام معه.
مشاهد استخراج التمثال كانت موضعاً لتساؤل وسخرية الكثيرين، وقد علق مسئولون ومتخصصون على هذا الأمر وذكروا أن هذه هى الطريقة العلمية المعتادة فى استخراج الآثار، من جهتى أصدقهم احتراماً للتخصص، وقناعة بقاعدة «أهل مكة أدرى بشعابها»، لكننى أتساءل حول مسألة ترك التمثال الملكى لعبة فى أيدى الصغار، ومادة لفضول المواطنين، هل تلك هى الطريقة العلمية المعتادة للتعامل مع أثر بالقيمة التاريخية للتمثالين اللذين تم العثور عليهما فى المطرية؟!. ألم يكن من المنطقى أن توضع حراسة على الخبيئة التاريخية التى تم العثور عليها، حتى تحميها من عبث العابثين، وفضول المتطفلين؟. إن هذا الاستخفاف بميراثنا الحضارى يمنحنا مؤشراً عن حالة التخلف التى نتعامل بها مع معطيات الحضارة التى بناها الأجداد، وتوضح حالة التردى التى وصلنا إليها على المستويات الرسمية والشعبية.
تعالَ بعد ذلك إلى المعارضين للنظام لنستكشف موقف الإخوان، أكبر فريق معارض للنظام الحالى، وستجد أن بعضهم تناول الحدث بالسخرية، ومعايرة المسئولين بمستوى الأداء، وهو أمر مفهوم من الجماعة التى تسوقها الرغبة فى مكايدة النظام. دعك من ذلك وانتقل إلى ما هو أخطر فى خطاب بعضهم تعليقاً على «مهزلة المطرية»، لقد أخذ هذا البعض الإخوانى يستدعى من الذاكرة الآية القرآنية التى تقول: «فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية»، وهى الآية الكريمة التى يخاطب بها المولى عز وجل فرعون موسى. ويزعم الإخوان أن رمسيس الثانى هو الفرعون المقصود بهذه الآية، وهى فرضية آمن بها بعض علماء المصريات من الأجانب، ودحضها آخرون، ولا يوجد دليل علمى ثابت عليها، ومن المعلوم أن مومياوات الكثير من ملوك الفراعنة ما زالت موجودة حتى الآن، وليس مومياء رمسيس الثانى وتماثيله وفقط، لكن الإخوان أرادوا استكمال مشهد التخلف بطريقتهم الخاصة!.