مواطن كان بصحبة طفله الصغير داخل «سوبر ماركت»، «شبط» الطفل فى «شيكولاتاية»، لم يأبه الأب، لأنه يطعمه بالكاد، ولا يملك أن يرفّه عنه بقطعة حلوى، يبدو أن ضغط الصغير اشتد على الأب، فاضطر الأخير إلى نشل «قطعة شيكولاتة» له، فرصدته كاميرات المراقبة داخل السوبر ماركت، وتحفّظ عليه العاملون به، وتم تسليمه لجهات التحقيق التى قررت عقد أولى جلسات محاكمته بتهمة السرقة يوم 30 مارس المقبل (طبقاً لموقع الأهرام). بينما كانت مواقع الصحف تتداول هذه الواقعة، ظهر خبر آخر يشير إلى القبض على مدير مشتريات بوزارة التخطيط لتقاضيه رشوة مليون جنيه و300 ألف، وخبر ثالث يقول: 4 ملثمين يطلقون النار ويقتحمون محلاً للذهب بمنشأة القناطر ويسرقونه.
الأفعال الثلاثة مجرّمة ومؤثمة، لا خلاف على ذلك، لكن من الوارد أن تختلف مصائر المتهمين فيها. فقد يوكل موظف «التخطيط» المتهم بالرشوة واحداً من المحامين «الشطار» فيخرجه من القضية مثل الشعرة من العجينة، كما يردد المصريون، والأربعة الذين اقتحموا محل الذهب فعلوا فعلتهم وهربوا، ويصح أن يظلوا هاربين وبعيدين عن يد العدالة، لسنوات طويلة، تبقى جريمة سرقة قطعة شيكولاتة وحيدة فريدة بين الجريمتين، فصاحبها الذى عجز عن شراء القطعة فاضطر لسرقتها سيكون أعجز عن توكيل محام يدافع عنه، وليس فى مقدوره بالطبع أن يهرب. موقع جريدة «الشروق» أشار إلى أن النيابة أخلت سبيل المتهم، وتعاملت معه كمريض نفسى، وأنها تناولت الموضوع بروح القانون، وليس بنصوصه الجامدة. وهو ما ينقلنا إلى سؤال العدالة الذى سبق أن طرحه المرحوم «توفيق الحكيم» فى روايته «يوميات نائب فى الأرياف».
يحكى «الحكيم» فى روايته أنه ذات يوم جىء أمامه -وهو يعمل وكيل نيابة- بفلاح سرق «كوز درة» وأكله بسبب جوعه، فأعمل معه مواد القانون، وعرض عليه دفع كفالة «50 صاغ»، أو إفادته بمحل إقامته، حتى يتم الإفراج عنه. لم يكن مع الرجل «مليماً واحداً»، وبالطبع كان يهيم على وجهه فى الشارع بلا سكن، فما كان من «النائب العمومى» سوى أن قرر حبسه لحين محاكمته. موقف آخر تعرض له، عندما سقطت مجموعة من بالات الملابس من مركب كانت تسير بالنيل، فاستولى عليها الفلاحون ولبسوها. تم القبض على العشرات، وإدانتهم بجريمة السرقة، سألهم «النائب العمومى»: لماذا سرقتم هذه الملابس؟ فأجابوه: عشان عرايا، والنهر حدف لنا لقية.. مناخدهاش؟! قفز سؤال حول مفهوم العدالة فى ذهن وكيل النائب العام، وهو يحقق مع «الغلابة» فى قضايا سرقة أو سطو، واحتار فى طبيعة القانون الذى يساوى فى السرقة بين الكبار الذين يسرقون الملايين و«الغلبان» الذى يسطو على «كوز درة»، لا يمتلك ثمنه، كى يسد به جوعه. من يراجع مشاهد السرقة والرشوة التى حكيتها لك، ويقارنها بما حكاه «توفيق الحكيم» فى رواية «يوميات نائب فى الأرياف» يعلم أنه ليس هناك جديد تحت شمس هذا البلد، وأن ظروفه كانت كذلك منذ جدود الجدود، وسوف تبقى على هذا النحو إلى ما شاء الله.. العدالة نجيبها منين؟!