لا أعلم على وجه الدقة، لماذا أعلن الرئيس الراحل أنور السادات الصحافة سلطة رابعة مع السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية؟ وهل كان يقصد حقاً معنى الكلمة بتداعياتها؟ أم أنه كان يستهدف استقطاب الصحافة لجانبه فى معاركه ومواجهاته المتتالية والمستمرة مع الجميع من دون استثناء؟
أغلب الظن أن الرئيس الراحل كان يتحدث عن فكرة لم يتصور أبداً أنها ستتحول فى لحظة ما إلى مشكلة حقيقية، وأن محاولة تقربه من الصحفيين وقتها تتم بوسيلة ستتحول فى لحظة ما إلى مشكلة حقيقية فى علاقة الصحافة بباقى عناصر المجتمع بل ستتحول أيضاً إلى مشكلة فى الأوساط الصحفية ذاتها.
حديث سلطة الصحافة منح البعض من العاملين فى بلاط صاحبة الجلالة تصوراً أنهم أصحاب الأمر والنهى، وأن سلطة الصحافة تعنى أحقيتهم فى إطلاق الاتهامات وتوجيهها للآخرين، واختلطت الأمور عندهم فى توصيفات ومعانٍ محددة فلم يعد الفارق واضحاً بين معنى ممارسة المهنة وبين مفهوم كلمة السلطة التى يعتبر البعض أنها تميزهم عن غيرهم من المجتمع.
الحقيقة أن الصحافة فى الأساس مهنة، مثلها مثل باقى مهن المجتمع كالأطباء والمحامين والمهندسين وغيرهم من أصحاب المهن تحكمهم قواعد وأسس وقوانين وتقوم على امتلاك المهارات والقدرة على التميز وفقاً لهذه القواعد وليس وفقاً للتجاوز أو الخطأ.
والحقيقة أيضاً أن ممارسة مفهوم السلطة بين الصحفيين تسبب فى مشكلات حقيقية وأسقط بعضهم فى فخ الخلط بين عمله فى المساعدة على كشف الحقائق مهنياً، وبين انتحال صفة سلطات حقيقية فى المجتمع مثل القضاء، وذلك من خلال توجيه الاتهام للبعض بزعم كشف الحقائق.
والحقيقة ثالثاً أن حديث السلطة لدى البعض دفع بهم لممارسات مخالفة تماماً لكل القواعد المهنية بترتيب معلومات واختلاق حقائق فى ضوء تحليلات أو استخراج نتائج من دون دلائل قانونية حقيقية أو من دون انتظار نتائج التحقيقات القانونية باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتوجيه الاتهام.
للصحافة والإعلام مكانة خاصة فى المجتمعات، كونها من المهن التى تساعد فى البحث عن الحقيقة، لكن ذلك لا يميزها عن غيرها كون مهن عديدة تعمل فى ذات الاتجاه، كما أن هذه المكانة لا تعطيها الحق لأن تتخيل أنها تعلو فوق باقى السلطات.
المشكلة ظهرت فعلاً عندما ظهرت بعض المصطلحات ترتيباً على جملة «سلطة الصحافة»، ومنها مثلاً توصيف الصحفيين بأنهم «كتيبة من المقاتلين» وغيرها من التوصيفات التى تفاعلت مع واقع تغيب عنه أدوات التأهيل والتدريب وتنمية المهارات والقدرات، فتحولت الصحافة من «مهنة» إلى «سلطة» بلا أسانيد أو صلاحيات قانونية فدخلت بعضها فى مواجهات مع المجتمع بدلاً من العمل مع المجتمع ضد الظواهر السلبية.
لا بديل عن عودة الصحافة إلى معسكر المهنة والابتعاد عن مفهوم السلطة.. فلا سلطة بلا سلطة.