تصريح عجيب جاء على لسان وزير الصحة الدكتور أحمد عماد قال فيه: «منظومة الصحة متهاوية بسبب القرار الذى أصدره الرئيس جمال عبدالناصر بأن التعليم كالماء والهواء، والصحة مجانية لكل فرد، فراح التعليم وراحت الصحة». موضوع المجانية أصبح «لبانة» على ألسنة العديد من المسئولين، حين يعزون تردى مستوى الخدمات التعليمية والصحية المقدمة للمواطن المصرى إليها، ويرون فيها سبباً مباشراً لعجزهم عن التعامل مع هذين الملفين. الرد الواجب على التصريح الذى جاء على لسان «عماد» هو استبعاده من منصبه كوزير للصحة، لأنه حنث بالقسم الذى غرد به أمام رئيس الدولة، حين تولى المنصب، فقد أقسم على أن يحفظ الدستور، ودستور 2014 يلزم الحكومة بضرورة تخصيص ما نسبته 10% من الناتج القومى للصحة والتعليم والبحث العلمى. وزير الصحة «مش عاجبه الدستور»، هذا شأنه، لكن ما دام أصبح مسئولاً بالدولة فعليه أن يؤدى بما ينص عليه الدستور، وإلا يترك المنصب.
لست أدرى نوع التعليم الذى حصل عليه الدكتور أحمد عماد، لكن المستعرض لسيرته الذاتية المتداولة على عدد من المواقع، يمكنه أن يستخلص أن الرجل تعلم بالمجانية، فى المدارس والجامعات التى جعلها جمال عبدالناصر مفتوحة أمام الجميع، بغض النظر عن مستوى الفقر والغنى، وبالتالى فهو رجل متناقض مع نفسه. عيب أن يتعلم الإنسان بالمجانية فى المدارس والجامعات، ثم يحصل على الماجستير والدكتوراه بالمجان، وتمكنه الشهادات التى حصل عليها من الوصول إلى موقع وزير، ليأتى بعد ذلك ويقول إن المجانية خربت التعليم ودمرت قطاع الصحة. أفهم أن يقول إن الظروف الاقتصادية التى تمر بها مصر لا تمكِّن وزارة الصحة من توفير التدابير والاعتمادات المالية اللازمة لعلاج غير القادرين، وأن يبحث بحكم مسئوليته عن حلول لهذه المشكلات، من بينها مثلاً إغلاق حنفية الفساد فى الوزارات ومن بينها وزارة الصحة، وما موضوع القبض على أحد مستشارى الدكتور «عماد» بتهمة تلقى رشوة منا ببعيد!، أفهم أيضاً أن تتآزر مؤسسات المجتمع المدنى مع الحكومة من أجل مساعدة الدولة على توفير الخدمة الطبية المجانية لمن لا يملك الثمن، لكننى لا أستطيع أن أستوعب أن يحدثنا عن إلغاء المجانية، لتوضع مستشفيات الدولة التى تم بناؤها من عرق هذا الشعب وماله، ولم يرثها المسئولون عن آبائهم وجدودهم، على طريق الخصخصة، وتباع بالطرق التى جربناها أيام «عاطف عبيد»!.
وزير الصحة يرى «المجانية» سبباً لتدهور مستوى الخدمة الطبية فى مصر، وكأن المستشفيات الخاصة المدفوعة ناجية من الإهمال فى الرعاية، وبريئة من الأخطاء الطبية التى تودى بحياة المرضى. فكما يموت الفقراء فى المستشفيات المجانية، يموت الكبار أيضاً فى المستشفيات المدفوعة، لأن العبرة فى كل الأحوال بمستوى الأداء وجودة الخدمة. والتجربة تقول إن المسئول الذى يصاب بأى مرض -لا قدر الله- يسافر للعلاج بالخارج، ما يعنى أنه لا يثق فى المؤسسات التى يديرها، ويخدم بها مواطنيه. فليمسك وزير الصحة لسانه عن «المجانية»، وليحدثنا عن مستوى توافر المادة الفعالة فى الأدوية التى يشتريها المريض بأسعار أصبحت فلكية، ولا تخفف آلامه ولا تشفى أوجاعه. «شوف شغلك يا وزير» وبلاش «رغى بطال»!.