قبل نحو أربعة أيام، أصدرت وزارة التربية والتعليم، بياناً ترد فيه على أخبار تداولتها وسائل الإعلام حول تسمم عدد من تلاميذ مدرستين بسوهاج نتيجة تناول وجبات مدرسية فاسدة. جاء فى البيان: «بشأن وجود حالات اشتباه تسمم بمدرسة الشهيد عبدالجواد بكوم غريب الابتدائية بمحافظة سوهاج، الثلاثاء الماضى (7 مارس الحالى)، وحالات تسمم نتيجة تناول تلاميذ مدرسة مجمعة نجع سبع الابتدائية بمحافظة أسيوط، توضح الوزارة إنه بالنسبة لمدرسة الشهيد عبدالجواد الابتدائية، فيتم توريد وجبة جافة مكيّسة مكونة من: (2 قطعة جبن مطبوخ + قطعة حلاوة طحينية بار + 2 رغيف عيش)، ولا يتم تسلم الوجبة إلا بموجب إفراج صحى من وزارة الصحة يفيد صلاحية الوجبة للتوزيع». لم يمض أسبوع على هذا البيان حتى دهمنا خبر إصابة 2200 تلميذ بالتسمم نتيجة تناول وجبات فاسدة بمدارس سوهاج، ماذا ستقول الوزارة هذه المرة؟!.
أداء وزارة التربية والتعليم مع موضوع تسمم تلاميذ المدارس يستحق أن نتوقف أمامه، فهو أداء يعتمد على فكرة «إدارة الأزمات بالبيانات». نحن أمام مؤسسة -شأنها شأن مؤسسات الدولة الأخرى- تكتفى أمام أى واقعة تتصل بأدائها بإصدار بيان نفى أو تبرير تدافع فيه عن نفسها، ثم «تكفى على الواقعة ماجور». وهو أداء لا يقوم على التعامل مع المشكلات الصغيرة بالدرجة المطلوبة من الجدية حتى يتم تجنب المشكلات الكبرى. واقعة تسمم الثلاثاء الأول التى رافقها بيان الوزارة ضربت (35 طفلاً فى مدرسة، و4 أطفال فى أخرى) كما حدد البيان، أما واقعة الثلاثاء الثانى من مارس، فقد ضربت مئات آلاف التلاميذ. وهكذا أسس التعامل بأسلوب البيانات الدفاعية لمشكلة أكبر. لا أستطيع أن أدمغ وزارة التعليم وحدها بهذا النمط من الأداء، فى وقت نجد له تطبيقات فى الكثير من الوزارات والمؤسسات الأخرى. فى كل الأحوال هناك عبارة فى البيان تستحق التأمل، وتتعلق بالنص على أن الوزارة لا تتسلم الوجبات إلا بموجب إفراج من وزارة الصحة!.
هذه العبارة تحمل اتهاماً مباشراً لوزارة الصحة، وللوزير المسئول عنها، بتعريض حياة الصغار للخطر. مطلوب من وزارة التعليم أن توضح الأمر فيما يتعلق بالجبنة والحلاوة التى أكلها الصغار بـ«السم»، وهل مرت بالإجراءات المتبعة، وتم توزيعها بموجب قرار إفراج من وزارة الصحة أم لا؟!. كذلك من المهم تحديد دور المحافظ والمسئولين داخل محافظة سوهاج فى هذه الواقعة. نحن أمام مشكلة لا بد من تحديد المسئول عنها. وبصراحة فإن قيام وزارة التعليم بإلقاء المسئولية على «الصحة» يبشر المتابعين بأن الجانى سيتم الكشف عنه قريباً، فإذا كان هناك مثل يقول: «إذا اختلف اللصان ظهرت السرقة»، فيصح أن نعارضه قائلين: «إذا اختلف المهملان ظهر المسئول عن الجريمة»، وثمة قاعدة فقهية تقول: «اختلافهم رحمة» وذلك فى شـأن اختلاف الفقهاء فى الأحكام. قد يكون فى الاختلاف وتبادل الاتهامات بين المسئولين رحمة للصغار الغلابة الذين أكلوا الوجبة المدرسية بـ«السم»!.