فى عصرنا الحالى، بطل العالم الحقيقى لألعاب القوى هو الآلات، فيمكنها ببساطة أن تجرى أسرع من البشر، وأن ترفع أثقالاً أكبر بكثير مما قد يفعله أى إنسان. ستهزم الآلات أى بشرى بسهولة فى مثل تلك التحديات البدنية. أما الأنشطة التى لها طابع بدنى وإبداعى فى آن واحد، فالآلات تحقق فيها تقدماً يوماً بعد الآخر، وقد رأيت آلات تلعب كرة القدم والتنس الأرضى وتنس الطاولة، وهى بالفعل تلعب بمهارة معقولة، وسوف تزداد تلك المهارة مع التقدم التكنولوجى بحيث تتمكن الآلة من الفوز على البشر فى المنافسات المختلفة. ولكن ماذا عن الأنشطة التى تتضمن جهداً إبداعياً خالصاً؟
يرى بطل العالم الروسى «فلاديمير كرامينيك» (الذى خسر أمام الكمبيوتر «ديب فريتز» عام 2006 بنتيجة 4-2) أن: «الكمبيوتر غيّر من لعبة الشطرنج وجعلها لعبة مختلفة». وهذا يتقاطع مع ما قاله البطل الألمانى «هانز رى» الذى يرى أنه: «عندما يكون لديك بطل للعالم على هاتف الجوال ينطفئ بريق العقول اللامعة والغموض الشطرنجى». فيما يعطى البطل الإنجليزى «نايجل شورت» تشبيهاً بليغاً ويقول: «إن كان الشطرنج غابة واسعة، فإن الكمبيوير هو منشار شركة قطع الأشجار».
أول المباريات الشطرنجية بين الإنسان والآلة كان بطلها القائد الشهير «نابليون بونابرت» والآلة التى عُرفت وقتها بـ«التركى الآلى» (أو «أوتوماتو»)، وجرت تلك المباراة فى العاصمة النمساوية فيينا عام 1809، فازت الآلة ولكن لاحقاً اكتشفوا أنها ليست آلة وأن رجلاً موهوباً قصير القامة كان مختبئاً داخلها!!
تتابعت محاولات الجمع بين الإنسان والآلة، إلى أن وصلنا إلى المباراة الشهيرة بين بطل العالم السابق الروسى «جارى كاسباروف» والكمبيوتر «ديب ثوت» عام 1989، وفاز كاسباروف، ثم كرر إنجازه عام 1996 وفاز على الكمبيوتر «ديب بلو»، لكن فى مايو من عام 1997 أقيمت مباراة جديدة بينه وبين «ديب بلو تو» والذى كان يزن 1400 كيلوجراماً، وكان يمكنه تحليل 200 مليون موقف فى الثانية الواحدة فاستطاع أن يهزم كاسباروف بنتيجة (3.5- 2.5). (وقيل وقتها إن كاسباروف قد حصل على مبلغ مالى ضخم ليخسر لأن الشركة كانت ستفشل فى بيع برنامجها الجديد إذا خسر مثل سابقيه).
الواقع أنه لا أمل للبشر أمام الشطرنج الآلى، لأنك ببساطة حين تلاعبه فأنت تلاعب البشرية جمعاء، فعقل الآلة مُخزن به كل الأدوار والاحتمالات التى لُعبت عبر مئات السنين. كما أنه يدرس أدوار من يلعب معه من الأبطال قبل المباراة وكأنه مصمم لهزيمة هذا البطل بشكل شخصى، وهذا ترف لا يتوافر لمنافسه. لكن رغم ذلك تبقى فى النهاية لمحة إبداعية لا يمكن للآلة أن تقوم بها مهما حققت من مكاسب، لأنها ببساطة تلعب وفق قواعد لا تكسرها أبداً وهذا يحد من العملية الإبداعية التى تقوم على كسر القواعد وليس التقيد بها.. فمتى نُبدع أو على الأقل نتعلم الشطرنج؟