الملاحظ لأسلوب إدارة المملكة العربية السعودية للعديد من الملفات خلال الأيام الأخيرة، يجد قدراً كبيراً من الحرص على تحقيق مكاسب سياسية تدعم النظام الحالى، ويردد البعض أنها تصب أيضاً فى خدمة الطموحات السياسية لشخص بعينه داخل الأسرة الحاكمة. الأمير محمد بن سلمان ولى ولى عهد المملكة يتحرك كثيراً هذه الأيام على مستوى العديد من الملفات، لعل أبرزها ملف العلاقات الأمريكية السعودية، فى هذا السياق جاءت زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، ولقاؤه بالرئيس «ترامب»، ذلك الرئيس الذى قلت لك ذات مرة إنه يعمل بـ«تكتيكات تاجر»، يضع عينه باستمرار على المكسب. العقليات السياسية من هذا النوع يجيد اللعب معها من يمتلك عقلية «تاجر»، ومن المعلوم أن التجارة جزء لا يتجزأ من حياة وثقافة أهل الجزيرة العربية، فى الماضى والحاضر، لذلك سيطر على اللقاء بين الطرفين حالة من التناغم أثمرت توقيع اتفاق على برنامج تطوير مشترك يستثمر بالبنية التحتية والطاقة بقيمة تتجاوز 200 مليار دولار، خلال الأربع السنوات المقبلة.
200 مليار دولار «بحالهم» استثمارات، تلك أول قطفة قطفها الرئيس «ترامب»، الذى جاء برؤية واضحة وحاسمة لانتشال الولايات المتحدة الأمريكية من أزمتها الاقتصادية على حساب الغير. قالها ترامب صراحة أكثر من مرة، ومن المعلوم أن المملكة العربية السعودية اتخذت خلال الأيام الأخيرة عدة إجراءات تقشفية، خصوصاً بعد أن أصبحت تواجه عجزاً فى الموازنة اضطرها إلى الاقتراض الخارجى. ليس معنى ذلك أن المملكة لا تعطى دولاً عربية، فالاستثمارات السعودية فى السودان، خصوصاً فى مجال الزراعة لا تخفى على أحد، ومؤكد أن الزيارة الأخيرة التى قام بها الرئيس السودانى عمر البشير إلى المملكة ربت وأينعت وأثمرت المزيد. وقد تمت هذه الزيارة أوائل فبراير الماضى، وأشار بعض الخبثاء إلى أنها أتت فى سياق الضغوط التى تمارسها المملكة على مصر فى ملف الجزيرتين، خصوصاً أن «البشير» تجرأ هو الآخر، وأصبح يطالب بـ«حلايب وشلاتين»، لكن يبقى أن التحسن الأخير فى العلاقات المتوترة بين كل من مصر والمملكة العربية السعودية يجعلنا نتحفظ على هذا التفسير، ولعلك تعلم أن وزير البترول صرح منذ أيام بعودة تدفق النفط السعودى إلى مصر، بعد أن أوقفت المملكة -من طرف واحد- اتفاقية توريد بترول إلى مصر لمدة 5 سنوات.
لعبة شراء الولاءات بالمال لعبة قديمة مارستها العديد من الأنظمة، ولعب بورقتها الكثير من الطامحين للحكم. اللعب بهذه الورقة ترسخ داخل الوجدان العربى منذ عصر معاوية بن أبى سفيان، الذى نجح فى استقطاب عدد من خصومه السياسيين بالمال، وحتى بعض الحكام المعاصرين، لكن يبقى أن تعقد المشهد السياسى الذى يعيشه العالم فى الآونة الأخيرة، يقلل من قدرة من يريدون شراء الولاءات بالورقة الخضراء، فمن يقبض فى كل الأحوال هو الأنظمة، ونسبة لا بأس بها من الأنظمة التى تقبض لا تضع ما تحصل عليه فى خدمة شعوبها، والشعوب اليوم أصبحت طرفاً أساسياً فى معادلة الاستقرار أو عدم الاستقرار السياسى داخل أى مجتمع.. الطموح مشروع، لكن الوعى بالمعادلة الزمنية مطلوب!.