تقارير إعلامية كشفت عن أن رئيس مجلس النواب، الدكتور على عبدالعال، سوف يقوم بإحالة اتفاقية «ترسيم الحدود» مع السعودية، والمعروفة شعبياً بـ«اتفاقية تيران وصنافير»، إلى اللجنة التشريعية، بداية الأسبوع المقبل -فى الأغلب يوم الأحد- لمناقشتها وإعداد تقارير بشأنها. الخطوة التى سيقدم عليها مجلس النواب تبدو مفهومة، إذا راجعنا تصريحات رئيسه الدكتور على عبدالعال عقب صدور الحكم البات من محكمة القضاء الإدارى ببطلان توقيع الحكومة على اتفاقية ترسيم الحدود مع المملكة، بما يترتب على ذلك من الإقرار بمصرية جزيرتى «تيران وصنافير»، ويبدو أن الفترة التى تقع بين حكم القضاء الإدارى والتحرك الأخير للمجلس كان الغرض منها ترتيب الأوراق ليس أكثر!.
اتجه الكثيرون بتفكيرهم إلى التصريح الأخير لوزير البترول حول عودة شركة أرامكو لضخ البترول لمصر، وهم يتابعون التحركات التى بدأت تحت قبة «النواب» لمناقشة الاتفاقية. الربط ما بين الأمرين طبيعى ومنطقى، خصوصاً أن تصريحاً متزامناً -مع تصريح وزير البترول- خرج على لسان الدكتور على عبدالعال، تحدث فيه عن عزم المجلس مناقشة الاتفاقية. ولو صح الربط بين الأمرين، فإن ذلك يعنى ببساطة أن السعودية تلعب بورقة المال والنفط مع مصر من أجل الحصول على الجزيرتين، مستغلة فى ذلك الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تمر بها البلاد. من وجهة نظرى يبدو هذا الربط غير موضوعى، وهو لا يقل فى عدم موضوعيته عن قيام مجلس النواب بمناقشة اتفاقية حكم القضاء ببطلانها.
غياب الموضوعية عن مسألة الربط بين المال السعودى ومناقشة مجلس النواب للاتفاقية أساسها عدم الوعى بأن «السعودية لن تحصل على شىء»، هكذا ببساطة ودون مواربة. مصر دولة، بها مؤسسات ليس من السهل ترويضها أو السيطرة عليها، أو تشغيلها طبقاً للأهواء. فى كل مؤسسة من مؤسسات هذه الدولة سوف تجد من يصمد ومن يصر على كلمة «لا» للأشياء التى تتناقض مع ما يحكم الأمور من قواعد وقيم. القضاء المصرى قال كلمته، وحسم أمره، وحكم بمصرية الجزيرتين. وداخل مجلس النواب سوف تجد المئات ممن يقولون لا، إذا عرضت الاتفاقية للتصويت، وتم تحدى الحكم القضائى، وإذا حدث أمر آخر، وصوتت الأغلبية لصالح الاتفاقية، فإن هناك شعباً، موقفه من موضوع الأرض واضح وحاسم وقاطع ولا يحتمل أى لبس. مجلس النواب مطالب كمؤسسة ممثلة للشعب أن يؤدى بما يتناغم مع توجهات الشعب الذى يمثله، وألا يغرد بعيداً عنها، وبإمكان القائمين على أمر المجلس أن يستطلعوا رأى عينة ممثلة من أفراد الشعب من هذه المسألة، حتى يتأكدوا بأنفسهم.
لا يستطيع أحد أن يغفل مساندة المملكة العربية السعودية لمصر، ومن المحقق أن مصر لا تنسى الجميل، وقادرة على رده بأشكال وصور كثيرة، مؤكد أن ليس من بينها التنازل عن قطعة من أرضها، وليس من المعقول أن تكون أرض مصرية جزءاً من مناورات السياسة والحكم فى المملكة. السعودية تحتاج مصر على مستوى ملفات كثيرة، وقديماً قيل لـ«جحا المصرى»: «عد موج البحر».. فقال: «الجايات أكتر م الرايحات»!.