الطريقة التى تتعامل بها الحكومة مع قضية تسمم التلاميذ، بعدد من المحافظات، جراء تناول الوجبات المدرسية، تشهد على أسلوب فى التفكير جوهره العجز وقلة الحيلة أمام المشكلات. يمكنك استخلاص ذلك من تأمل مسألتين فى الأداء الحكومى المتعلق بهذه الواقعة. أولاهما التعامل مع المشكلة بمنطق «اقطع الصباع اللى بيوجعك»، وثانيهما تبرئة الذات الحكومية، واتهام ذلك الشبح المجهول الذى لا يعرفه أحد بالتسبب فيها.
«اقطع صباعك اللى بيوجعك»، تلخص تلك العبارة التصريح المقتضب الذى أدلى به اللواء حسام أبوالمجد، رئيس قطاع مكتب وزير التربية والتعليم لبوابة «الأهرام»، وقال فيه إن الوزارة قررت وقف تسليم الوجبات المدرسية للطلاب بجميع مدارس الجمهورية، والتفاصيل فيما بعد!. نظرية «اقطع صباعك» سبق وتناولها الفيلسوف «ابن رشد» منذ عدة قرون، عندما وجد أناساً يحرمون الاشتغال بالفلسفة لأن فلاناً عمل بها، فضلّ عقله وزاغ فكره، فوصف أصحاب هذه الطريقة العقيمة فى التفكير، بأنهم مثل من ينصح الناس بعدم شرب الماء، لأن شخصاً «شرق» مرة، وهو يشرب فمات، دون أن يأخذوا فى الاعتبار أن الظمأ سوف يقتل الجميع. قد يكون قرار «قطع الوجبة» مرده الرغبة فى مراجعة إجراءات التأكد من سلامتها وخلوها من «السم»، وهى خطوة مطلوبة، لكن على الحكومة أن تراعى أن هناك أطفالاً يتعيشون على هذه الوجبة، ولو أن أحد المسئولين بالوزارة تصفح رواية «الوسية» لخليل حسن خليل، أو رواية «بداية ونهاية» لنجيب محفوظ، فسوف يجد أن اعتماد الأطفال بقرى ونجوع مصر على وجبة المدرسة طقس تاريخى ممتد حتى الآن.
على مستوى آخر، وزارة التعليم غير مسئولة عن مراجعة «السلامة الصحية» للوجبة المدرسية، وقد أكد بيان سابق لها، على هامش واقعة تسمم، أن وزارة الصحة هى المسئولة عن التأكد من مطابقة الوجبة للاشتراطات الصحية، وإذا كان ذلك كذلك، فمؤكد أن التلاميذ المحتاجين إلى الوجبة سينتظرون كثيراً، لأن الوزارة تبحث عن الشبح المجهول!. وزارة الصحة تؤكد -فى مجال تفسيرها لحوادث تسمم التلامذة- أن هناك من يخطط لإثارة الذعر بين المصريين. «من» هذا لا يعرفه إلا المسئولون فى «الصحة». هل الإخوان؟.. هل شخص أو جهة فاسدة؟.. هل هو الأشكيف؟. هل هو مستر إكس؟. الوزارة والمسئولون بالصحة هم فقط من يعلمون، كل ما يعرفه الناس أن «ولاد الحرام مخلوش لولاد الحلال حاجة»!. طيب إذا كانت وزارة الصحة تعلم أن هناك من يحاول إثارة الذعر.. فلماذا لا تفضحه؟. أداء «الصحة» مؤخراً يؤشر إلى أنها أصبحت وزارة «مبنية للمجهول»، ففى موضوع الفيروس الذى أصاب أفراد عائلة بشبرا الخيمة، وأدى إلى وفاة ثلاثة منهم، وصفته «الصحة» بأنه «فيروس مجهول»، اجتهدت عبر عدة أيام فى معرفة هويته، لكنه ظل مجهولاً، فاضطرت إلى الاستعانة بصديق أجنبى ليحل لها اللغز، كذلك موضوع تسمم الوجبات المدرسية، يتحرك بأصابع مجهولة تحاول إثارة الذعر بين الأسر المصرية، ومؤكد أن الهدف من وراء ذلك معروف، ويتمثل فى تشويه الأداء «الميمون» للوزارة الميمونة!.