حاولت فى حياتى الجمع بين «الحسنيين»، وطرق أبواب «الصناعتين»، ولا أقصد النصر والشهادة أو الشعر والنثر، بل أعنى كلاً من العلوم الطبيعية والإنسانية.. فبعد الانتهاء من بكالوريوس العلوم، ودراسة الكيمياء والفيزياء، انهيت ليسانس الآداب، وتخصصت فى علوم المسرح. كنت الأول على دفعتى فأصبحت أحد أعضاء السلك الأكاديمى.. سنوات معدودات مقبلة، إن عشت، وأنتهى من مرحلة الدكتوراه، وخلال أعوام قليلة مضت، وفى مشاريع متعددة، مارست الإخراج والتمثيل والنقد.. شغفى بالأمر وصل إلى حد أن ذهبت إلى إندونيسيا، وزرت جزيرة «بالى»، خصيصاً لمشاهدة الرقص البالينيزى مع شروق الشمس وغروبها.. وزرت مدينة «نيويورك» الأمريكية لمشاهدة عروض مسرح برودواى، فكانت خسارتى المادية عظيمة توازى مكسبى الإنسانى والثقافى (شكراً لتعويم الجنيه).
بعد ثلاثة أيام نبلغ يوم المسرح العالمى، فما هو حال مسرحنا من مقاربة تعامل الدولة معه.. نموذج واحد سيضحكنا ويبكينا.
«مسرح بلا إنتاج» هو اسم مهرجان يقف وراء تنظيمه المخرج المسرحى السكندرى اللامع «د. جمال ياقوت»، الذى أطلق نسخته السابعة فى نوفمبر الماضى، ولأن المهرجان أصبح دولياً، تأتيه فرق مسرحية من عدة دول، فقد خاطب عدداً من الجهات الرسمية لدعمه، فعن طريق الهيئة العامة لقصور الثقافة تم التواصل مع: الهيئة العامة لتنشيط السياحة، ووزارة الشباب والرياضة، ومحافظة الإسكندرية، وقطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة.
الجهة الأولى، هى الهيئة العامة لتنشيط السياحة، طلب المهرجان المسرحى منها توفير أوتوبيسات لعمل زيارات سياحية لضيوف المهرجان من الأجانب، ولكن الهيئة أرسلت اعتذاراً رسمياً عن ذلك. والسبب مجهول حتى الآن. ربما لاتباع استراتيجية «إن لم تعمل فلن تُخطئ»!
وتلك الهيئة، لمن لا يعرف، هى التى ذهبت إلى بورصة برلين للسياحة الشهر الحالى وروجت لمصر عبر مجموعة رجال يرتدون الجلابيب ويرقصون بطريقة بائسة على أنغام الأغنية العربية «بشرة خير». وطبعاً الأمر لم ينشط أى شىء إلا الدورة الدموية للراقصين.
الجهة الثانية كانت قطاع العلاقات الثقافية الخارجية بوزارة الثقافة، والطلب كان لدعم لوجيستى عبر المساهمة فى إقامة أعضاء الفرق الأجنبية، وهو أمر من صميم عمل هذا القطاع الذى لم يكلف نفسه حتى مشقة الاعتذار.
الجهة الثالثة كانت وزارة الشباب والرياضة، وكان الطلب هو استضافة الوفود الأجنبية فى بيت شباب منطقة «الشاطبى» بالإسكندرية، وهو مكان تعيس تبلغ تكلفة إقامة الفرد فيه بالإعاشة نحو سبعة جنيهات يومياً حسب نوع الغرفة، لأنها عبارة عن عنابر رباعية أو ثمانية، وقد وافقت الوزارة فى البداية واشترطت أن يستضيف المهرجان ضمن فعالياته العرض المسرحى الفائز فى مسابقات الوزارة، وهو طلب ضد لائحة المهرجان وفلسفته واسمه، لكن تمت الموافقة عليه.. وقبل بدء المهرجان بيومين فقط، أرسلت الوزارة رفضاً من المستشار القانونى، واقتراحاً بإقامة الوفود فى معسكر الشباب بمنطقة «أبى قير»! والتى تبعد مسافة كبيرة عن مركز المدينة ومكان إقامة العروض، وهو كابوس فى ظل عدم وجود وسيلة تنقل أصلاً.
الجهة الرابعة كانت محافظة الإسكندرية، وهى التى أكملت الكوميديا، كان الطلب هو توفير أوتوبيسين من هيئة النقل العام لتنقل الوفود. وأن يرعى المحافظ المهرجان، ويحضر حفلى الافتتاح والختام.
أما الأوتوبيسات فقد طلبت المحافظة قيمة الإيجارات، وفشل الأمر طبعاً.. أما عن الحضور فلم يحضر المحافظ حفل الافتتاح وأرسل مندوباً عنه، وهو رئيس حى وسط، (كتر خيره والله)، أما حفل الختام فلم يحضره ولم يرسل أحداً (أحسن برضه!)، كل ذلك بعد أن كان قد اطمأن إلى أن كل إعلانات المهرجان أفادت بالفعل بأنه الراعى له!