لا يختلف اثنان على أن النهضة الضخمة التى تشهدها مصر فى مجال إنشاء الطرق الطويلة العملاقة بين المحافظات قد حققت نتائج مبهرة فى المحاور والطرق الطويلة السريعة والكبارى السهلة، وقد تحقق بالفعل مايزيد على 800 مشروع طرق خلال عامين فقط، ولا جدال فى أنها توفر الوقت والجهد وتسهل انتقال الأفراد والبضائع وإقامة المشروعات الصناعية والزراعية وغيرها، ونتمنى أن نجد علاجاً سريعاً للظاهرة العجيبة التى أصابت شوارعنا الجديدة والقديمة مؤخراً، حيث أصيبت للأسف بالخرس المزعج للجميع، والظاهرة يشكو منها ركاب السيارات فعندما تكون فى سيارة تنتبه كل حواسك وأنت تطالع ما حولك من ألوان وأحجام وأصوات وأضواء، وتنطبع هذه الصور فى ذاكرتك فتصبح معانى وأدلة وحياة كاملة من المعرفة والمشاعر، وربما تطور الأمر فتشعر بالراحة وتتمنى الإقامة أو عمل مشروع والعمل فى مكان ارتحت فيه لحديث الشوارع معك، والذين زاروا بلاد العالم شرقاً وغرباً وعرباً يدركون بسهولة أن شوارعنا فى مصر قد أصابها الخرس نهاراً وليلاً وأحياناً العمى بالظلمة الحالكة ليلاً.. وكل من يسير فى الشوارع السريعة التى تربط بين المدن بالخارج يجد الشوارع تتحدث معه بلغات متعددة ومشاعر متدفقة.. فهناك اللافتات الثابتة والمتحركة والمضيئة وبأكثر من ستة أشكال ومعها أرقام الكيلومتر أو الميل بالمسافات الباقية، حتى تصل إلى المكان الذى تقصده وشرح واف للمنطقة التى تمر عليها بالصورة أو الرسم الإرشادى والأسهم المتتالية وجميعها تسير معك وتهمس أحياناً وتصرخ أحياناً لتنبهك.. وإذا احتجت لخدمة على الطريق ستجد قائمة مكتوبة ومرسومة وبارزة نهاراً ومضيئة ليلاً تحكى لك عن أقرب أماكن تخدمك.. فتعرف بسرعة ودقة المسافة بينك وبين أقرب مطعم ومستشفى وصيدلية ومحطة بنزين ومركز لخدمة السيارة أو موتيل للمبيت وأقرب تليفون ومركز شرطة ونجدة الطريق وغيرها من معلومات لكل ما يهمك أو تحتاجه.. والمسافر لا يحتاج إلى وقت طويل لفهم الرسالة التى تحملها لافتات الشوارع الضخمة الواسعة التى تصل بين المدن فى الخارج، فيصلك المعنى بسرعة وسهولة ودون أن تحتاج إلى إبطاء السير أو التوقف أو سؤال الآخرين عما تريد من معلومات.. والإعلانات على الشوارع هناك لا تزاحم لافتات الشوارع أو تشتت الانتباه أو تزعج التركيز للسائق، وتكون الإعلانات مدروسة وتشكل مع اللافتات المعلوماتية ومكونات الشارع لوحة فنية تريح العين والذهن، والحالة العجيبة من الخرس التى أصابت شوارعنا الجديدة والقديمة تتمثل فى غياب اللوحات والإرشادات المعلوماتية الأساسية التى يحتاجها كل من يستخدم الشارع وكأنك تسير فى المجهول، فاللافتات قليلة ومعلوماتها مربكة أو مسروقة أو أكلها الصدأ وغابت عنها الصيانة.. وجميعها لا تصلح للاستخدام ليلاً.. والإشارات والأسهم نادرة، فإذا وجدت لافتة تدلك على رقم الكيلومتر الذى تمر عليه بين الإسكندرية والقاهرة فإنها صغيرة الحجم وعادة تجد بعدها أو قبلها لافتة تحمل رقماً مغايراً أقل أو أكبر أو تحمل ذات الرقم للكيلومتر الذى تركته خلفك قبل عشر دقائق.. ونادراً ما تجد أسماء للمناطق التى تمر عليها فى طريق العلمين أو القاهرة السويس أو الإسماعيلية أو الوادى الجديد أو مطروح أو حتى المحاور الرئيسية حول القاهرة، والأغرب أن لوحات الإعلانات التجارية واضحة وبارزة وضخمة على كل الطرق، حتى إن معظم السائقين يتخذونها إشارات دالة على الطريق، مع أنها إعلانات متغيرة المضمون مما يترتب عليه توهان بالجملة ممن يعتمدون عليها.. ولو احتجت لخدمة على الطريق لا تجد وسيلة للإرشاد وتضطر للوقوف وطلب العون من المارين وتتعرض لمشاكل متعددة خاصة بوجود أطفال معك، إننا نحتاج وبسرعة إلى إكمال النهضة الضخمة فى الطرق بإضافة لغة شرح وتفسير وتعليم إلى شوارعنا حتى تشفى من الخرس والعمى، الذى يجعلنا نعيش المثل الشعبى «الحلو ما يكملش»، ولأنها فعلاً شوارع جميلة ومفيدة فيجب أن تكتمل أناقتها.. وهى مسئولية هيئة الطرق والمحافظات والأهالى وأصحاب المشروعات والخدمات فى كل منطقة يمر بها الطريق، لأنهم يصنعون بالطرق الجميلة حياة آمنة وتنقلاً سهلاً ممتعاً وتنمية دائمة للمناطق القديمة والجديدة.. ندعو الله بالسلامة والأمان والتحدث الأنيق لكل الطرق فى مصر.. والله غالب.