علمونا أهالينا من الصغر أن الرجال لا يبكون، ومع أول بادرة بكاء تصدر من طفل يبادر أهله إلى نهره محذرين «هيه.. مايصحش كده الرجل مابيعيطش» وكنا نتوقف على الفور ونكتم دموعنا داخل عيوننا حتى نثبت أننا رجال أو على الأقل لا نقل عن الرجال رغم أننا أطفال.
وكنا حين نسأل لماذا لا يبكى الرجال كانت فى المقابل الإجابات السريعة، الرجال أقوياء وشجعان ويتحملون الصعاب وهم لا يبكون لأن البكاء للضعفاء، الستات بس هى اللى بتبكى لأن «الست ضعيفة وغلبانة» لذلك تبكى أما الرجل فلا يبكى.
هكذا تربينا أو كما نقول نشأنا على «سلو بلدنا» الرجل لا يبكى، وهو معنى مقيت اصطدمنا بعكسه تماماً فى مسيرتنا الحياتية الشخصية، الرجال يبكون وينهارون من البكاء، ولا يخفون دموعهم، ولا يخجلون من بكائهم.
البكاء قوة وليس ضعفاً أو عجزاً، بالعكس البكاء إحساس، والإنسان كائن يشعر ويحس ويعيش بأحاسيسه المتعددة والمتنوعة، ومنها الحزن الذى يترجم لبكاء، والمرأة تبكى ليس لأنها ضعيفة، والرجل حين لا يبكى فهذا لا يعنى أنه قوى، فالبكاء عند النساء والرجال على حد سواء مشاعر وأحاسيس وانفعالات.
علمتنا الحياة أن البكاء يعكس عمق المشاعر والأحاسيس، وأن البكاء دليل قوة وشعور بالغضب، بل هو أيضاً طاقة لتفريغ الحزن أو الغضب، ويمنحنا القدرة على الراحة والهدوء وصفاء النفوس، وفى بعض الحالات يمنحنا طاقة لامتلاك النفس والانطلاق نحو الأمام.
دموع الرجال تألقت فى عيونهم يوم الشهيد، أب دمعت عيناه وهو يشاهد صوراً لابنه، وأم دمعت عيناها وهى تسترجع ذكريات ابنها الذى فارقها بسبب الإرهاب وبفعل الإرهابيين، الدموع لم تفرق بين رجل وامرأة، بل أكدت أن البكاء مشاعر وأحاسيس إنسانية.
لم يمنع أب الدموع واحتجزها فى عينيه، خشية أن يقال إنه ضعيف، أو حد يقول له الرجال لا يبكون، بالعكس كان البكاء أو قل الدموع جزءاً من قداسة اللحظة وعمق إنسانية المشاعر التى أطلقها الجميع دون استثناء، دون خجل أو ادعاء مزيف سطحى يسود بين طوائف أو مجموعات من المجتمع.
كثير من الأخطاء ساهمت فى تكوين ثقافة مجتمعية نعانى من آثارها حتى الآن، وما زال الكثير يحبس مشاعره بداخله ويحتجز دموعه فى عينيه خشية التقليل من شأنه أو انتقاد الناس له أو التجاوز فى حقه من حفنة مدعية متحجرة المشاعر عكس ما تدعى.
عندما يبكى الرجل فاعرف أنه فى ذروة قوته واحذر منه، فالبكاء تفريغ لطاقة حزن واستدعاء لطاقة إيجابية، بكاء الرجل قوة.