ولد الشيخ محمد الغزالى فى تكلا العنب، مركز إيتاى البارود، محافظة البحيرة عام 1917.. وتمر هذا العام الذكرى المئوية لميلاده.
(1)
درسَ الشيخ الغزالى على يد الشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبوزهرة.. شيْخى الأزهر.. قامَ بالتدريس والخطابة.. وأبدعَ فى الحديثِ والكتابة.
انضمّ لجماعة الإخوان المسلمين ثم تركها.. وهاجمَها.. وخاضَ معركة عنيفة مع المرشد الثانى حسن الهضيبى. فى عصر الرئيس عبدالناصر، انضمّ الشيخ الغزالى للاتحاد الاشتراكى، وفى عهد الرئيس السادات عمل وكيلاً لوزارة الأوقاف، وفى عهد مبارك.. كان متحدثاً شهيراً فى الندوات وعلى الشاشات.
اتسمت بعض آراء الشيخ الغزالى بالغلوّ والتشددّ، ولكن أكثر إنتاجه اتسم بالوسطية والاعتدال.. ويعتبره الكثيرون أحد أعلام تجديد الفكر الدينى.
لَقَّبَ البعضُ الشيخ الغزالى، الذى من بين مؤلفاته ديوان شعر بـ«أديب الدعاة».. عمل أستاذاً فى الجزائر.. وحصَل على جائزة الملك فيصل، وفى عام 1996 رحلَ إلى رحابِ ربّه، ودُفِن بالبقيع فى المدينة المنورة.
(2)
يقول الشيخ محمد الغزالى إنّه بدأ حياته الدعويّة مغروراً بعلمِه وفقهه.. ثم إذا بِهِ يكتشفُ جهلَه ومحدوديّته.. ويصفُ ذلك قائلاً: «عندما تسلمتُ وظيفتى إماماً وخطيباً.. قلتُ أنا عالم أزهرى.. تخرجتُ وكتبتُ وخطبتُ. بدأتُ العمل مغروراً، وبعد شهرٍ اكتشفتُ أننى جاهل.. وأن حصيلتى العلميّة نفدت فى أسابيع.. كنتُ مغروراً بمحاضراتٍ فى كل مكان. الآن أنا على منبرٍ واحدٍ ومسجدٍ واحدٍ.. درس يومى وخطبة أسبوعية.. عدتُ تلميذاً من جديد».
بدأ الشيخ الغزالى فى القراءة الموسوعية داخل علوم الدين وخارجها.. انفتح على الفلسفة والفكر العالمى.. كما قرأ فى حضارة الغرب.. والمسافات الشاسعة التى صارت بيننا وبينهم.
انتهى الشيخ إلى أن «التخلّف الحضارى جريمة.. وأن العلاج ليس فتوى مضحِكة بإعلان الجهاد».
(3)
خاض الشيخ محمد الغزالى معركةً فكريةً طويلة ضدّ ما سماها «السلفيّة الحديثة».. والشيْخ يفرِّق بين «السلف الصالح» و«السلفيّة الحديثة».. حركاتٍ ودعواتٍ.
ضمن مشاهد المعركة.. يقول الشيخ الغزالى: «عندما كنتُ أدرِّس فى جامعة الجزائر.. كان الطلاب -فى المدرج- على يمينى والطالبات على يسارى. لاحظتُ أن الوجومَ يخيّم على البناتِ.. وأن الطلاب قاموا بتهديدهنَ إذا سألنَ.. لأن صوت المرأة عورة!..
شعرتُ بأن مستقبل الإسلام فى مهب الريح.. إذا بقى الفكر العفِن يمثِّل حياتنا.. الإسلام سيُحكم عليه بالطرد من كل ميدان إذا بقى هؤلاء يظهرونه فى تلك المعالم القبيحة التى لا يعرفها غير الدهماء من المنتسبين للإسلام».
وفى مشهدٍ ثانٍ ضمن مشاهد المعركة، يقول الشيخ الغزالى: إن الوحدة أساسٌ فى الإسلام، وإن التفاهم وعدم التفرُّق من معالم إقامة الدين.. وفى سورة الشورى، يقول الله تعالى: «أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ».. عدم التفرُّق جزءٌ من إقامة الدين.. والإقامة هى لمبادئ الإسلام فى التسامح والوسطية والعدل والمروءة.
وفى الحديث الشريف، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «ما ضلّ قومٌ بعد هدىً كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل».. وفى سورة آل عمران: «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِى أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ».. وعلى ذلك فلا بد من الوعى والعقل.. ولا تكون الدعوة إلاّ على علمٍ وعلى «بصيرةٍ».
ويمضى الشيخ الغزالى قائلاً: إن الحرية الدينية مكفولة فى الإسلام.. ثم يأتى جهولٌ يقول: إنّ آية «لَا إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ» هى آيةٌ منسوخةٌ.. تمّ بطلان حكمها. ثم إنّ السلام أساسٌ فى الإسلام.. ثم يأتى علامٌ طائشٌ يقول: إن كلام نبينا: «بُعثتُ بالسيف بين الساعة، وجُعل رزقى تحت ظل رمحى».. هذا كلامٌ لا يعرف القرآن ويعرف منطق العصابات.
وفى مشهدٍ ثالثٍ ضمن مشاهد المعركة، يقول الشيخ الغزالى: هناك أثرٌ مُنكرٌ.. أن عمر بن الخطاب كان ينهى عن تعليم النساء الخطّ.. مع أن ابنته حفصة كانت كاتبة. لماذا علّمها إذن؟.. لم يبقَ إلاّ أن يقول أحمق: لقد تعلمت الكتابة فى الجاهلية.. فلمّا جاء الإسلام نهى عن ذلك.. لأن الأميّة جزءٌ من غاية الإسلام ورسالته!
وفى مشهدٍ رابع من مشاهد المعركة، يقول الشيخ الغزالى: إن أعداء الإسلام يفتحون الأبواب أمام «السلفية الحديثة».. حتى إذا أدركَ الناس فحواها.. ثارت ثائرتهم، وقرروا الابتعاد عن الإسلام، وفضلوا عليه كل نحلة.
ويمضى الشيخ: إنه كى ننتصر على «الإلحاد» يجب أن نمنع هؤلاء.. إنهم عند المبصر الدقيق حرب على الإسلام.. إن الله خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف.. لا لنتشاكس.
وفى قولة شاملة.. يقول الشيخ محمد الغزالى: إن الذين كشفوا ثروات بلادنا وعلى رأسها النفط هم الخواجات.. أما نحن فقد كُنّا نتصارع: هل حديث التوسل صحيح أم ضعيف؟ هل كرامات الأولياء حق أم وهم؟ هل الحكم لبنى هاشم أم لأسرٍ أخرى؟!
الجزء الثانى الأسبوع المقبل بمشيئة الله
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر